الله لا تحصوها) * وذلك يدل على أن كل هذه الأشياء نعم من الله تعالى في حق الكل، وهذا يدل على أن نعم الله واصلة إلى الكفار، والله أعلم.
أما قوله: * (إن الله لغفور رحيم) * اعلم أنه تعالى قال في سورة إبراهيم: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) * (إبراهيم: 34) وقال ههنا: * (إن الله لغفور رحيم) والمعنى: أنه لما بين أن الإنسان لا يمكنه القيام بأداء الشكر على سبيل التفصيل: قال: (إن الله لغفور رحيم) أي غفور للتقصير الصادر عنكم في القيام بشكر نعمه، رحيم بكم حيث لم يقطع نعمه عليكم بسبب تقصيركم.
أما قوله: * (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون) * ففيه وجهان: الأول: أن الكفار كانوا مع اشتغالهم بعبادة غير الله تعالى يسرون ضروبا من الكفر في مكايد الرسول عليه السلام فجعل هذا زجرا لهم عنها. والثاني: أنه تعالى زيف في الآية الأولى عبادة الأصنام بسبب أنه لا قدرة لها على الخلق والإنعام وزيف في هذه الآية أيضا عبادتها بسبب أن الإله يجب أن يكون عالما بالسر والعلانية، وهذه الأصنام جمادات لا معرفة لها بشيء أصلا فكيف تحسن عبادتها؟.
أما قوله: * (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) * فاعلم أنه تعالى وصف هذه الأصنام بصفات كثيرة.
فالصفة الأولى: أنهم لا يخلقون شيئا وهم يخلقون قرأ حفص عن عاصم يسرون ويعلنون ويدعون كلها بالياء على الحكاية عن الغائب، وقرأ أبو بكر عن عاصم * (يدعون) * بالياء خاصة على المغايبة وتسرون وتعلنون بالتاء على الخطاب، والباقون كلها بالتاء على الخطاب عطفا على ما قبله.
فإن قيل: أليس أن قوله في أول الآية: * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) * يدل على أن هذه الأصنام لا تخلق شيئا وقوله ههنا: * (لا يخلقون شيئا) * يدل على نفس هذا المعنى، فكان هذا محض التكرير.
وجوابه: أن المذكور في أول الآية أنهم لا يخلقون شيئا، والمذكور ههنا أنهم لا يخلقون شيئا وأنهم مخلوقون لغيرهم، فكان هذا زيادة في المعنى، وكأنه تعالى بدأ بشرح نقصهم في ذواتهم وصفاتهم فبين أولا أنها لا تخلق شيئا، ثم ثانيا أنها كما لا تخلق غيرها فهي مخلوقة لغيرها.
والصفة الثانية: قوله: * (أموات غير أحياء) * والمعنى: أنها لو كانت آلهة على الحقيقة لكانوا أحياء غير أموات، أي غير جائز عليها الموت كالحي الذي لا يموت سبحانه وتعالى وأمر هذه الأصنام على العكس من ذلك.
فإن قيل: لما قال: * (أموات) * علم أنها غير أحياء فما القائدة في قوله: * (غير أحياء) *.
والجواب من وجهين: الأول: أن الإله هو الحي الذي لا يحصل عقيب حياته موت، وهذه