الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا * وإما تعرضن عنهم ابتغآء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا) * اعلم أن هذا هو النوع الرابع من أعمال الخير والطاعة المذكورة في هذه الآيات وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (وآت) * خطاب مع من؟ فيه قولان:
القول الأول: أنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم فأمره الله أن يؤتي أقاربه الحقوق التي وجبت لهم في الفيء والغنيمة، وأوجب عليه أيضا إخراج حق المساكين وأبناء السبيل أيضا من هذين المثالين.
والقول الثاني: أنه خطاب للكل والدليل عليه أنه معطوف على قوله: * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) * (الإسراء: 23) والمعنى: أنك بعد فراغك من بر الوالدين، يجب أن تشتغل ببر سائر الأقارب الأقرب فالأقرب، ثم بإصلاح أحوال المساكين وأبناء السبيل.
واعلم أن قوله تعالى: * (وآت ذا القربى حقه) * مجمل وليس فيه بيان أن ذلك الحق ما هو؟ وعند الشافعي رحمه الله أنه لا يجب الانفاق إلا على الولد والوالدين، وقال قوم: يجب الإنفاق على المحارم بقدر الحاجة واتفقوا على أن من لم يكن من المحارم كأبناء العم فلا حق لهم إلا الموادة والزيارة وحسن المعاشرة والمؤالفة في السراء والضراء. أما المسكين وابن السبيل فقد تقدم وصفهما في سورة التوبة في تفسير آية الزكاة. ويجب أن يدفع إلى المسكين ما يفي بقوته وقوت عياله، وأن يدفع إلى ابن السبيل ما يكفيه من زاده وراحلته إلى أن يبلغ مقصده.
ثم قال تعالى: * (ولا تبذر تبذيرا) * والتبذير في اللغة إفساد المال وإنفاقه في السرف. قال عثمان بن الأسود: كنت أطوف في المساجد مع مجاهد حول الكعبة فرفع رأسه إلى أبي قبيس وقال: لو أن رجلا أنفق مثل هذا في طاعة الله لم يكن من المسرفين، ولو أنفق درهما واحدا في معصية الله كان من المسرفين. وأنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر فقيل له لا خير في السرف فقال: لا سرف في الخير، وعن عبد الله بن عمر قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ فقال: أو في الوضوء سرف؟ قال: نعم: وإن كنت على نهر جار ثم نبه تعالى على قبح التبذير بإضافته إياه إلى أفعال الشياطين فقال: * (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) * والمراد من هذه الأخوة التشبه بهم في هذا الفعل القبيح، وذلك لأن العرب يسمون الملازم للشيء أخا له، فيقولون: فلان أخو الكرم والجود، وأخو السفر إذا كان مواظبا على هذه الأعمال، وقيل قوله: * (إخوان