أما قوله تعالى: * (قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: في تفسيره وجهان:
الوجه الأول: أن المراد من قوله: * (إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) * هو أنا لو فرضنا وجود آلهة مع الله تعالى لغلب بعضهم بعضا، وحاصله يرجع إلى دليل التمانع وقد شرحناه في سورة الأنبياء في تفسير قوله: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22) فلا فائدة في الإعادة.
الوجه الثاني: أن الكفار كانوا يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فقال الله لو كانت هذه الأصنام كما تقولون من أنها تقربكم إلى الله زلفى لطلبت لأنفسها أيضا قربة إلى الله تعالى وسبيلا إليه ولطلبت لأنفسها المراتب العالية، والدرجات الشريفة من الأحوال الرفيعة، فلما لم تقدر أن تتخذ لأنفسها سبيلا إلى الله فكيف يعقل أن تقربكم إلى الله.
المسألة الثانية: قرأ ابن كثير كما يقولون وعما يقولون ويسبح بالياء في هذه الثلاثة، والمعنى كما يقول المشركون من إثبات الآلهة من دونه فهو مثل قوله: * (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون) * (آل عمران: 12) وقرأ حمزة والكسائي كلها بالتاء، وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم في الأول بالتاء على الخطاب، وفي الثاني والثالث بالياء على الحكاية، وقرأ حفص عن عاصم الأولين بالياء، والأخير بالتاء، وقرأ أبو عمرو الأول والأخير بالتاء والأوسط بالياء.
ثم قال تعالى: * (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: لما أقام الدليل القاطع على كونه منزها عن الشركاء. وعلى أن القول بإثبات الآلهة قول باطل، أردفه بما يدل على تنزيهه عن هذا القول الباطل فقال: * (سبحانه) * وقد ذكرنا أن التسبيح عبارة عن تنزيه الله تعالى عما لا يليق به، ثم قال: * (وتعالى) * والمراد من هذا التعالي الارتفاع وهو العلو، وظاهر أن المراد من هذا التعالي ليس هو التعالي في المكان والجهة، لأن التعالي عن الشريك والنظير والنقائص والآفات لا يمكن تفسيره بالتعالي بالمكان والجهة، فعلمنا أن لفظ التعالي في حق الله تعالى غير مفسر بالعلو بحسب المكان والجهة.
المسألة الثانية: جعل العلو مصدر التعالي فقال تعالى: * (علوا كبيرا) * وكان يجب أن يقال تعالى تعاليا كبيرا إلا أن نظيره قوله تعالى: * (والله أنبتكم من الأرض نباتا) * (نوح: 17).
فإن قيل: ما الفائدة في وصف ذلك العلو بالكبير؟
قلنا: لأن المنافاة بين ذاته وصفاته سبحانه وبين ثبوت الصاحبة والولد والشركاء والأضداد والأنداد منافاة بلغت في القوة والكمال إلى حيث لا تعقل الزيادة عليها، لأن المنافاة بين الواجب