قلنا: فيه وجهان: الأول: قال أبو مسلم الأصفهاني: مقصود المشركين إحالة الذنب على هذه الأصنام وظنوا أن ذلك ينجيهم من عذاب الله تعالى أو ينقص من عذابهم، فعند هذا تكذبهم تلك الأصنام. قال القاضي: هذا بعيد، لأن الكفار يعلمون علما ضروريا في الآخرة أن العذاب سينزل بهم وأنه لا نصرة ولا فدية ولا شفاعة.
والقول الثاني: أن المشركين يقولون هذا الكلام تعجبا من حضور تلك الأصنام مع أنه لا ذنب لها واعترافا بأنهم كانوا مخطئين في عبادتها. ثم حكى تعالى أن الأصنام يكذبونهم، فقال: * (فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون) * والمعنى: أنه تعالى يخلق الحياة والعقل والنطق في تلك الأصنام حتى تقول هذا القول، وقوله: * (إنكم لكاذبون) * بدل من القول، والتقدير: فألقوا إليهم إنكم لكاذبون.
فإن قيل: إن المشركين ما قالوا إلا أنهم لما أشاروا إلى الأصنام قالوا: إن هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك وقد كانوا صادقين في كل ذلك، فكيف قالت الأصنام إنكم لكاذبون؟.
قلنا: فيه وجوه: والأصح أن يقال المراد من قولهم هؤلاء شركاؤنا هو أن هؤلاء الذين كنا نقول إنهم شركاء الله في المعبودية، فالأصنام كذبوهم في إثبات هذه الشركة. وقيل: المراد إنكم لكاذبون في قولكم إنا نستحق العبادة ويدل عليه قوله تعالى: * (كلا سيكفرون بعبادتهم) * (مريم: 82).
ثم قال تعالى: * (وألقوا إلى الله يومئذ السلم) * قال الكلبي: استسلم العابد والمعبود وأقروا لله بالربوبية وبالبراءة عن الشركاء والأنداد: * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * وفيه وجهان: وقيل: ذهب عنهم ما زين لهم الشيطان من أن لله شريكا وصاحبة وولدا. وقيل: بطل ما كانوا يأملون من أن آلهتهم تشفع لهم عند الله تعالى.
قوله تعالى * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) * اعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد الذين كفروا، أتبعه بوعيد من ضم إلى كفره صد الغير عن سبيل الله. وفي تفسير قوله: * (وصدوا عن سبيل الله) * وجهان: قيل: معناه الصد عن المسجد الحرام، والأصح أنه يتناول جملة الإيمان بالله والرسول وبالشرائع، لأن اللفظ عام فلا معنى للتخصيص