واستوجب الذم والخذلان، واعلم أنه لما دل لفظ الآية على أن المشرك مذموم مخذول وجب بحكم الآية أن يكون الموحد ممدوحا منصورا. والله أعلم.
المسألة الرابعة: القعود المذكور في قوله: * (فتقعد مذموما مخذولا) * فيه وجوه: الأول: أن معناه: المكث أي فتمكث في الناس مذموما مخذولا، وهذه اللفظة مستعملة في لسان العرب والفرس في هذا المعنى، فإذا سأل الرجل غيره ما يصنع فلان في تلك البلدة فيقول المجيب: هو قاعد بأسوأ حال معناه: المكث سواء كان قائما أو جالسا. الثاني: إن من شأن المذموم المخذول أن يقعد نادما متفكرا على ما فرط منه. الثالث: أن المتمكن من تحصيل الخيرات يسعى في تحصيلها، والسعي إنما يتأتى بالقيام، وأما العاجز عن تحصيلها فإنه لا يسعى بل يبقى جالسا قاعدا عن الطلب فلما كان القيام على الرجل أحد الأمور التي بها يتم الفوز بالخيرات، وكان القعود والجلوس علامة على عدم تلك المكنة والقدرة لا جرم جعل القيام كناية عن القدرة على تحصيل الخيرات. والقعود كناية عن العجز والضعف.
المسألة الخامسة: قال الواحدي: قوله: (فتقعد) انتصب لأنه وقع بعد الفاء جوابا للنهي وانتصابه بإضمار " أن " كقولك لا تنقطع عنا فنجفوك، والتقدير: لا يكن منك انقطاع فيحصل أن نجفوك فما بعد الفاء متعلق بالجملة المتقدمة بحرف الفاء التي هي حرف العطف. وإنما سماه النحويون جوابا لكونه مشابها للجزاء في أن الثاني مسبب عن الأول، ألا ترى أن المعنى إن انقطعت جفوتك كذلك تقدير الآية إن جعلت مع الله إلها آخر قعدت مذموما مخذولا.
* (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) * اعلم أنه لما ذكر في الآية الأولى ما هو الركن الأعظم في الأيمان، أتبعه بذكر ما هو من شعائر الإيمان وشرائطه وهي أنواع:
النوع الأول: أن يكون الإنسان مشتغلا بعبادة الله تعالى، وأن يكون محترزا عن عبادة غير الله تعالى، وهذا هو المراد من قوله: * (وقضى ربك ألا تبعدوا إلا إياه) * وفيه بحثان:
البحث الأول: القضاء معناه الحكم الجزم البت الذي لا يقبل النسخ. والدليل عليه أن الواحد منا إذا أمر غيره بشيء فإنه لا يقال: إنه قضى عليه، أما إذا أمره أمرا جزما وحكم عليه بذلك الحكم على سبيل البت والقطع، فههنا يقال: قضى عليه ولفظ القضاء في أصل اللغة يرجع إلى إتمام الشيء