تلك الورقة اللطيفة الرقيقة نسبة واحدة، وثبت أن الطبيعة المؤثرة متى كانت نسبتها واحدة كان الأثر متشابها وثبت أن الأثر غير متشابه، لأن أحد جانبي تلك الورقة في غاية الصفرة، والوجه الثاني في غاية الحمرة فهذا يفيد القطع بأن المؤثر في حصول هذه الصفات والألوان والأحوال ليس هو الطبيعة، بل المؤثر فيها هو الفاعل المختار الحكيم، وهو الله سبحانه وتعالى، وهذا هو المراد من قوله: * (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه) *.
واعلم أنه لما كان مدار هذه الحجة على أن المؤثر الموجب بالذات وبالطبيعة يجب أن يكون نسبته إلى الكل نسبة واحدة، فلما دل الحس في هذه الأجسام النباتية على اختلاف صفاتها وتنافر أحوالها ظهر أن المؤثر فيها ليس واجبا بالذات بل فاعلا مختارا فهذا تمام تقرير هذه الدلائل وثبت أن ختم الآية الأولى بقوله: * (لقوم يتفكرون) * والآية الثانية بقوله: * (لقوم يعقلون) * والآية الثالثة بقوله: * (لقوم يذكرون) * هو الذي نبه على هذه الفوائد النفيسة والدلائل الظاهرة والحمد لله على ألطافه في الدين والدنيا.
المسألة الثانية: قرأ ابن عامر: * (والشمس والقمر والنجوم) * كلها بالرفع على الابتداء والخبر هو قوله: * (مسخرات) * وقرأ حفص عن عاصم: * (والنجوم) * بالرفع على أن يكون قوله: * (والنجوم) * ابتداء وإنما حملها على هذا لئلا يتكرر لفظ التسخير، إذ العرب لا تقول سخرت هذا الشيء مسخرا فجوابه أن المعنى أنه تعالى سخر لنا هذه الأشياء حال كونها مسخرة تحت قدرته وإرادته، وهذا هو الكلام الصحيح، والتقدير: أنه تعالى سخر للناس هذه الأشياء وجعلها موافقة لمصالحها حال كونها مسخرة تحت قدرة الله تعالى وأمره وإذنه، وعلى هذا التقدير فالتكرير الخالي عن الفائدة غير لازم والله علم. بقي في الآية سؤالات:
السؤال الأول: التسخير عبارة عن القهر والقسر، ولا يليق ذلك إلا بمن هو قادر يجوز أن يقهر، فكيف يصح ذلك في الليل والنهار وفي الجمادات والشمس والقمر؟
والجواب من وجهين: الأول: أنه تعالى لما دبر هذه الأشياء على طريقة واحدة مطابقة لمصالح العباد صارت شبيهة بالعبد المنقاد المطواع، فلهذا المعنى أطلق على هذا النوع من التدبير لفظ التسخير. وعن الوجه الثاني في الجواب: وهو لا يستقيم إلا على مذهب أصحاب علم الهيئة، وذلك لأنهم يقولون: الحركة الطبيعية للشمس والقمر هي الحركة من المغرب إلى المشرق والله تعالى يحرك هذه الكواكب بواسطة حركة الفلك الأعظم من المشرق إلى المغرب، فكانت هذه الحركة قسرية، فلهذا السبب ورد فيها اللفظ التسخير.
السؤال الثاني: إذا كان لا يحصل للنهار والليل وجود إلا بسبب حركات الشمس كان ذكر