قلنا: يوم الجمعة هو يوم الكمال والتمام وحصول التمام والكمال يوجب الفرح الكامل والسرور العظيم، فجعل يوم الجمعة يوم العيد أولى من هذا الوجه، والله أعلم.
والقول الثاني: في اختلافهم في السبت، أنهم أحلوا الصيد فيه تارة وحرموه تارة، وكان الواجب عليهم أن يتفقوا في تحريمه على كلمة واحدة.
ثم قال تعالى: * (وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) * والمعنى: أنه تعالى سيحكم يوم القيامة للمحقين بالثواب وللمبطلين بالعقاب.
قوله تعالى * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) *.
اعلم أنه تعالى لما أمر محمدا صلى الله عليه وسلم بإتباع إبراهيم عليه السلام، بين الشيء الذي أمره بمتابعته فيه، فقال: * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) *.
واعلم أنه تعالى أمر رسوله أن يدعو الناس بأحد هذه الطرق الثلاثة وهي الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالطريق الأحسن، وقد ذكر الله تعالى هذا الجدل في آية أخرى فقال: * (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) * (العنكبوت: 46) ولما ذكر الله تعالى هذه الطرق الثلاثة وعطف بعضها على بعض، وجب أن تكون طرقا متغايرة متباينة، وما رأيت للمفسرين فيه كلاما ملخصا مضبوطا.
واعلم أن الدعوة إلى المذهب والمقالة لا بد وأن تكون مبنية على حجة وبينة، والمقصود من ذكر الحجة، إما تقرير ذلك المذهب وذلك الاعتقاد في قلوب المستمعين، وإما أن يكون المقصود إلزام الخصم وإفحامه.
أما القسم الأول: فينقسم أيضا إلى قسمين: لأن الحجة إما أن تكون حجة حقيقية يقينية قطعية مبرأة عن احتمال النقيض، وإما أن لا تكون كذلك، بل تكون حجة تفيد الظن الظاهر والإقناع الكامل، فظهر بهذا التقسيم إنحصار الحجج في هذه الأقسام الثلاثة. أولها: الحجة القطعية المفيدة للعقائد اليقينية، وذلك هو المسمى بالحكمة، وهذه أشرف الدرجات وأعلى المقامات، وهي التي قال الله في صفتها: * (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) * (البقرة: 269). وثانيها: الأمارات الظنية والدلائل الإقناعية