وأما قوله: * (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا) * فاعلم أنه تعالى لما نبه على فساد طريقة من أثبت لله شريكا ونظيرا نبه على طريقة من أثبت له الولد وعلى كمال جهل هذه الفرقة، وهي أنهم اعتقدوا أن الولد قسمان؛ فأشرف القسمين البنون، وأخسهما البنات. ثم إنهم أثبتوا البنين لأنفسهم مع علمهم بنهاية عجزهم ونقصهم وأثبتوا البنات لله مع علمهم بأن الله تعالى هو الموصوف بالكمال الذي لا نهاية له والجلال الذي لا غاية له، وذلك يدل على نهاية جهل القائل بهذا القول ونظيره قوله تعالى: * (أم له البنات ولكم البنون) * (الطور: 39) وقوله: * (ألكم الذكر وله الأنثى) * (النجم: 21) وقوله: * (أفأصفاكم) * يقال أصفاه بالشيء إذا آثر به، ويقال للضياع التي يستخصها السلطان بخاصية الصوافي. قال أبو عبيدة في قوله: * (أفأصفاكم) * أفخصكم، وقال المفضل: أخلصكم. قال النحويون هذه الهمزة همزة تدل على الإنكار على صيغة السؤال عن مذهب ظاهر الفساد لا جواب لصاحبه إلا بما فيه أعظم الفضيحة.
ثم قال تعالى: * (إنكم لتقولون قولا عظيما) * وبيان هذا التعظيم من وجهين: الأول: أن إثبات الولد يقتضي كونه تعالى مركبا من الأجزاء والأبعاض، وذلك يقدح في كونه قديما واجب الوجود لذاته. وذلك عظيم من القول ومنكر من الكلام. والثاني: أن بتقدير ثبوت الولد فقد جعلتم أشرف القسمين لأنفسكم وأخس القسمين لله. وهذا أيضا جهل عظيم.
قوله تعالى * (ولقد صرفنا فى هذا القرءان ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا * قل لو كان معه ءالهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا * سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا * تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) *