وشكوا في الرسول صلى الله عليه وسلم ثم إنهم أسلموا وهاجروا فنزلت هذه الآية فيهم، وقيل: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ارتد، فلما كان يوم الفتح أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله فاستجار له عثمان فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنه أسلم وحسن إسلامه، وهذه الرواية إنما تصح لو جعلنا هذه السورة مدنية أو جعلنا هذه الآية منها مدنية، ويحتمل أن يكون المراد أن أولئك الضعفاء المعذبين تكلموا بكلمة الكفر على سبيل التقية، فقوله: * (من بعد ما فتنوا) * يحتمل كل واحد من هذه الوجوه الأربعة، وليس في اللفظ ما يدل على التعيين. إذا عرفت هذا فنقول: إن كانت هذه الآية نازلة فيمن أظهر الكفر، فالمراد أن ذلك مما لا إثم فيه، وأن حاله إذا هاجر وجاهد وصبر كحال من لم يكره، وإن كانت واردة فيمن ارتد فالمراد أن التوبة والقيام بما يجب عليه يزيل ذلك العقاب ويحصل له الغفران والرحمة، فالهاء في قوله: * (من بعدها) * تعود إلى الأعمال المذكورة فيما قبل، وهي الهجرة والجهاد والصبر.
أما قوله: * (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) * ففيه أبحاث:
البحث الأول: قال الزجاج: (يوم) منصوب على وجهين. أحدهما: أن يكون المعنى: * (إن ربك من بعدها لغفور رحيم يوم تأتي) * يعني أنه تعالى يعطي الرحمة والغفران في ذلك اليوم الذي يعظم احتياج الإنسان فيه إلى الرحمة والغفران. والثاني: أن يكون التقدير: وذكرهم أو أذكر يوم كذا وكذا، لأن معنى القرآن العظمة والإنذار والتذكير.
البحث الثاني: لقائل أن يقول: النفس لا تكون لها نفس أخرى، فما معنى قوله: * (كل نفس تجادل عن نفسها) *.
والجواب: النفس قد يراد به بدن الحي وقد يراد به ذات الشيء وحقيقته، فالنفس الأولى هي الجثة والبدن. والثانية: عينها وذاتها، فكأنه قيل: يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته ولا يهمه شأن غيره. قال تعالى: * (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) * (عبس: 37) وعن بعضهم: تزفر جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول: يا رب نفسي نفسي حتى أن إبراهيم الخليل عليه السلام يفعل ذلك. ومعنى المجادلة عنها الاعتذار عنها كقولهم: * (هؤلاء أضلونا) * (الأعراف: 38) وقولهم: * (والله ربنا ما كنا مشركين) * (الأنعام: 23).
ثم قال تعالى: * (وتوفى كل نفس ما عملت) * فيه محذوف، والمعنى: توفى كل نفس جزاء ما عملت من غير بخس ولا نقصان، وقوله: * (وهم لا يظلمون) * قال الواحدي: معناه لا ينقضون. قال القاضي: هذه الآية من أقوى ما يدل على ما نذهب إليه في الوعيد، لأنها تدل على أنه تعالى يوصل إلى كل أحد