وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون * فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) * اعلم أن هذا هو الشبهة الثانية لمنكري النبوة، فإنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل الله تعالى ملكا من السماء يشهد على صدقه في ادعاء النبوة فقال تعالى: * (هل ينظرون) * في التصديق بنبوتك إلا أن تأتيهم الملائكة شاهدين بذلك، ويحتمل أن يقال: إن القوم لما طعنوا في القرآن بأن قالوا: إنه أساطير الأولين، وذكر الله تعالى أنواع التهديد والوعيد لهم، ثم أتبعه بذكر الوعد لمن وصف القرآن بكونه خيرا وصدقا وصوابا، عاد إلى بيان أن أولئك الكفار لا ينزجرون عن الكفر بسبب البيانات التي ذكرناها، بل كانوا لا ينزجرون عن تلك الأقوال الباطلة إلا إذا جاءتهم الملائكة بالتهديد وأتاهم أمر ربك وهو عذاب الاستئصال.
واعلم أن على كلا التقديرين فقد قال تعالى: * (كذلك فعل الذين من قبلهم) * أي كلام هؤلاء وأفعالهم يشبه كلام الكفار المتقدمين وأفعالهم.
ثم قال: * (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * والتقدير: كذلك فعل الذين من قبلهم فأصابهم الهلاك المعجل وما ظلمهم الله بذلك، فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم بأن كفروا، وكذبوا الرسول فاستوجبوا ما نزل بهم.
ثم قال: * (فأصابهم سيئات ما عملوا) * والمراد أصابهم عقاب سيئات ما عملوا * (وحاق بهم) * أي نزل بهم على وجه أحاط بجوانبهم: * (ما كانوا به يستهزئون) * أي عقاب استهزائهم.
قوله تعالى * (وقال الذين أشركوا لو شآء الله ما عبدنا من دونه من شىء نحن ولا ءاباؤنا ولا حرمنا من دونه من شىء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين * ولقد بعثنا