قوله تعالى * (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لانعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وءاتيناه فى الدنيا حسنة وإنه فى الاخرة لمن الصالحين * ثم أوحينآ إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) *.
اعلم أنه تعالى لما زيف في هذه السورة مذاهب المشركين في أشياء، منها قولهم بإثبات الشركاء والأنداد لله تعالى، ومنها طعنهم في نبوة الأنبياء والرسل عليهم السلام، وقولهم لو أرسل الله رسولا لكان ذلك الرسول من الملائكة. ومنها قولهم بتحليل أشياء حرمها الله، وتحريم أشياء أباحها الله تعالى، فلما بالغ في إبطال مذاهبهم في هذه الأقوال، وكان إبراهيم عليه السلام رئيس الموحدين وقدوة الأصوليين، وهو الذي دعا الناس إلى التوحيد وإبطال الشرك وإلى الشرائع. والمشركون كانوا مفتخرين به معترفين بحسن طريقته مقرين بوجوب الاقتداء به، لا جرم ذكره الله تعالى في آخر هذه السورة، وحكى عنه طريقته في التوحيد ليصير ذلك حاملا لهؤلاء المشركين على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك، واعلم أنه تعالى وصف إبراهيم عليه السلام بصفات:
الصفة الأول: أنه كان أمة، وفي تفسيره وجوه: الأول: أنه كان وحده أمة من الأمم لكماله في صفات الخير كقوله: ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد الثاني: قال مجاهد، كان مؤمنا وحده، والناس كلهم كانوا كفارا فلهذا المعنى كان وحده أمة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زيد بن عمرو بن نفيل: " يبعثه الله أمة وحدة ". الثالث: أن يكون أمة فعلة بمعنى مفعول كالرحلة والبغية، فالأمة هو الذي يؤتم به، ودليله قوله: * (إني جاعلك للناس إماما) * (البقرة: 124). الرابع: أنه عليه السلام هو السبب الذي لأجله جعلت أمته ممتازين عمن سواهم بالتوحيد والدين الحقا، ولما جرى مجرى السبب لحصول تلك الأمة سماه الله تعالى بالأمة إطلاقا