بالباطل.
ثم إنه تعالى أمر في هذه الآيات بالمصالحة مع الزوجة، ومعلوم أن ذلك أمر من الله لعباده بأن يكونوا قائمين بالقسط، شاهدين لله على كل أحد، بل وعلى أنفسهم، فكانت هذه الآية كالمؤكد لكل ما جرى ذكره في هذه السورة من أنواع التكاليف.
المسألة الثانية: القوام مبالغة من قائم، والقسط العدل، فهذا أمر منه تعالى لجميع المكلفين بأن يكونوا مبالغين في اختيار العدل والاحتراز عن الجور والميل، وقوله * (شهداء لله) * أي تقيمون شهاداتكم لوجه الله كما أمرتم بإقامتها، ولو كانت الشهادة على أنفسكم أو آبائكم أو أقاربكم، وشهادة الإنسان على نفسه لها تفسيران: الأول: أن يقر نفسه لأن الإقرار كالشهادة في كونه موجبا إلزام الحق، والثاني: أن يكون المراد وإن كانت الشهادة وبالا على أنفسكم وأقاربكم، وذلك أن يشهد على من يتوقع ضرره من سلطان ظالم أو غيره.
المسألة الثالثة: في نصب * (شهداء) * ثلاثة أوجه: الأول: على الحال من * (قوامين) *. والثاني: أنه خبر على أن * (كونوا) * لها خبران، والثالث: أن تكون صفة لقوامين.
المسألة الرابعة: إنما قدم الأمر بالقيام بالقسط على الأمر بالشهادة لوجوه: الأول: أن أكثر الناس عادتهم أنهم يأمرون غيرهم بالمعروف، فإذا آل الأمر إلى أنفسهم تركوه حتى أن أقبح القبيح إذا صدر عنهم كان في محل المسامحة وأحسن الحسن، وإذا صدر عن غيرهم كان في محل المنازعة فالله سبحانه نبه في هذه الآية على سوء هذه الطريقة، وذلك أنه تعالى أمرهم بالقيام بالقسط أولا، ثم أمرهم بالشهادة على الغير ثانيا، تنبيها على أن الطريقة الحسنة أن تكون مضايقة الإنسان مع نفسه فوق مضايقته مع الغير. الثاني: أن القيام بالقسط عبارة عن دفع ضرر العقاب عن الغير، وهو الذي عليه الحق، ودفع الضرر عن النفس مقدم على دفع الضرر عن الغير، الثالث: أن القيام بالقسط فعل، والشهادة قول، والفعل أقوى من القول.
فإن قيل: إنه تعالى قال: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) * (آل عمران: 18) فقدم الشهادة على القيام بالقسط، وههنا قدم القيام بالقسط، فما الفرق؟ قلنا: شهادة الله تعالى عبارة عن كونه تعالى خالقا للمخلوقات، وقيامه بالقسط عبارة عن رعاية القوامين بالعدل في تلك المخلوقات، فيلزم هناك أن تكون الشهادة مقدمة على القيام بالقسط، أما في حق العباد فالقيام بالقسط عبارة عن كونه مراعيا للعدل ومباينا للجور، ومعلوم أنه ما لم يكون الإنسان كذلك لم تكن شهادته على الغير مقبولة، فثبت أن الواجب في قوله * (شهد الله) * أن تكون تلك الشهادة مقدمة على القيام بالقسط والواجب ههنا أن تكون الشهادة متأخرة عن القيام بالقسط،