ولم تؤمن قلوبهم) * (المائدة: 41) وثالثها: أنه خطاب مع الذين آمنوا وجه النهار وكفروا آخره، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا وجه النهار آمنوا أيضا آخره. ورابعها: أنه خطاب للمشركين تقديره: يا أيها الذين آمنوا باللات والعزى آمنوا بالله، وأكثر العلماء رجحوا القول الأول لأن لفظ المؤمن لا يتناول عند الإطلاق إلا المسلمين.
المسألة الثالثة: قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو * (والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل) * على ما لم يسم فاعله، والباقون (نزل وأنزل) بالفتح، فمن ضم فحجته قوله تعالى: * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * وقال في آية أخرى * (والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك) * (الأنعام: 114) ومن فتح فحجته قوله * (إنا نحن نزلنا الذكر) * وقوله * (وأنزلنا الذكر) * وقال بعض العلماء: كلاهما حسن إلا أن الضم أفخم كما في قوله * (وقيل يا أرض ابلعي ماءك) * (هود: 44).
المسألة الرابعة: اعلم أنه أمر في هذه الآية بالإيمان بأربعة أشياء: أولها: بالله، وثانيها: برسوله، وثالثها: بالكتاب الذي نزل على رسوله، ورابعها: بالكتاب الذي أنزل من قبل، وذكر في الكفر أمورا خمسة: فأولها الكفر بالله، وثانيها الكفر بملائكته، وثالثها الكفر بكتبه، ورابعها الكفر برسله، وخامسها الكفر باليوم الآخر.
ثم قال تعالى: * (فقد ضل ضلالا بعيدا) * وفي الآية سؤالات: السؤال الأول: لم قدم في مراتب الإيمان ذكر الرسول على ذكر الكتاب، وفي مراتب الكفر قلب القضية؟ الجواب: لأن في مرتبة النزول من معرفة الخالق إلى الخلق كان الكتاب مقدما على الرسول وفي مرتبة العروج من الخلق إلى الخالق يكون الرسول مقدما على الكتاب.
السؤال الثاني: لم ذكر في مراتب الإيمان أمورا ثلاثة: الإيمان بالله وبالرسول وبالكتب، وذكر في مراتب الكفر أمورا خمسة: الكفر بالله وبالملائكة وبالكتب وبالرسل وباليوم الآخر.
والجواب: أن الإيمان بالله وبالرسل وبالكتب متى حصل فقد حصل الإيمان بالملائكة واليوم الآخر لا محالة، إذ ربما ادعى الإنسان أنه يؤمن بالله وبالرسل وبالكتب، ثم إنه ينكر الملائكة وينكر اليوم الآخر، ويزعم أنه يجعل الآيات الواردة في الملائكة وفي اليوم الآخر محمولة على التأويل، فلما كان هذا الاحتمال قائما لا جرم نص أن منكر الملائكة ومنكر القيامة كافر بالله.
السؤال الثالث: كيف قيل لأهل الكتب * (والكتاب الذي أنزل من قبل) * مع أنهم ما كانوا