والكتاب الذى أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا) * وفي مسائل:
المسألة الأولى: في اتصال هذه الآية بما قبلها وجهان: الأول: أنها متصلة بقوله: * (كونوا قوامين بالقسط) * وذلك لأن الإنسان لا يكون قائما بالقسط إلا إذا كان راسخ القدم في الإسمان بالأشياء المذكورة في هذه الآية، وثانيهما: أنه تعالى لما بين الأحكام الكثيرة في هذه السورة ذكر عقيبها آية الأمر بالإيمان.
المسألة الثانية: أعلم أن ظاهر قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله) * مشعر بأنه أمر بتحصيل الحاصل، ولا شك أنه محال، فلهذا السبب ذكر المفسرون في وجوها وهي منحصرة في قولين: الأول: أن المراد بقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا) * المسلمون، ثم في تفسير الآية تفريعا على هذا القول وجوه: الأول: أن المراد منه يا أيها الذين آمنوا دوموا على الإيمان واثبتوا عليه، وحاصله يرجع إلى هذا المعنى: يا أيها الذين آمنوا في الماضي والحاضر آمنوا في المستقبل، ونظيره قوله * (فأعلم أنه لا إله إلا الله) * (محمد: 19) مع أنه كان عالما بذلك. وثانيها: يا أيها الذين آمنوا على سبيل التقليد آمنوا على سبيل الاستدلال. وثالثها: يا أيها الذين آمنوا بحسب الاستدلالات الجميلة آمنوا بحسب الدلائل التفصيلية. ورابعها: يا أيها الذين آمنوا بالدلائل التفصيلية بالله وملائكته وكتبه ورسله آمنوا بأن كنه عظمة الله لا تنتهي إليه عقولكم، وكذلك أحوال الملائكة وأسرار الكتب وصفات الرسل لا تنتهي إليها على سبيل التفصيل عقولنا. وخامسها: روي أن جماعة من أحبار اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل، فقال صلى الله عليه وسلم: بل آمنوا بالله وبرسله وبمحمد وبكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله، فقالوا: لا نفعل، فنزلت هذه الآية فكلهم آمنوا.
القول الثاني: أن المخاطبين بقوله * (آمنوا) * ليس هم المسلمون، وفي تفسير الآية تفريعا على هذا القول وجوه: الأول: أن الخطاب مع اليهود والنصارى، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا بموسى والتوراة وعيسى والإنجيل آمنوا بمحمد والقرآن. وثانيها: أن الخطاب مع المنافقين، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا باللسان ولم يأمنوا بالقلب، ويتأكد هذا بقوله تعالى: * (من الذين قالوا آمنا بأفواههم