واعلم أن العلماء قالوا هذا يدل على أن طعمة وقومه كانوا منافقين، وإلا لما طلبوا من الرسول نصرة الباطل وإلحاق السرقة باليهودي على سبيل التخرص والبهتان، ومما يؤكد ذلك قوله تعالى: * (وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء) * (النساء: 113) ثم روي أن طعمة هرب إلى مكة وارتد وثقب حائطا هناك لأجل السرقة فسقط الحائط عليه ومات.
المسألة الثانية: قال أبو علي الفارسي: قوله * (أراك الله) * إما أن يكون منقولا بالهمزة من رأيت التي يراد بها رؤية البصر، أو من رأيت التي تتعدى إلى المفعولين، أو من رأيت التي يراد بها الاعتقاد، والأول باطل لأن الحكم في الحادثة لا يرى بالبصر، والثاني أيضا باطل لأنه يلزم أن يتعدى إلى ثلاثة لا إلى المفعولين بسبب التعدية، ومعلوم أن هذا اللفظ لم يتعد إلا إلى مفعولين أحدهما: الكاف التي هي للخطاب، والآخر المفعول المقدر، وتقديره: بما أراكه الله، ولما بطل الاسمان بقي الثالث، وهو أن يكون المراد منه رأيت بمعنى الاعتقاد.
المسألة الثالثة: اعلم أنه ثبت بما قدمنا أن قوله * (بما أراك الله) * معناه بما أعلمك الله، وسمي ذلك العلم بالرؤية لأن العلم اليقيني المبرأ عن جهات الريب يكون جاريا مجرى الرؤية في القوة والظهور، وكان عمر يقول: لا يقولن أحد قضيت بما أراني الله تعالى لم يجعل ذلك إلا لنبيه، وأما الواحد منا فرأيه يكون ظنا ولا يكون علما. إذا عرفت هذا فنقول: قال المحققون: هذه الآية تدل على أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يحكم إلا بالوحي والنص. وإذا عرفت هذا فنقول: تفرع عليه مسألتان: إحداهما: أنه لما ثبت أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يحكم إلا بالنص، فوجب أن يكون حال الأمة كذلك لقوله تعالى: * (واتبعوه (الأعراف: 158) وإذا كان كذلك وجب أن يكون العمل بالقياس حراما. والجواب عنه أنه لما قامت الدلالة على أن القياس حجة كان العمل بالقياس عملا بالنص في الحقيقة، فإنه يصير التقدير كأنه تعالى قال: مهما غلب على ظنك أن حكم الصورة المسكوت عنها مثل حكم الصورة المنصوص عليها بسبب أمر جامع بين الصورتين فاعلم أن تكليفي في حقك أن تعمل بموجب ذلك الظن، وإذا كان الأمر كذلك كان العمل بهذا القياس عملا بعين النص.
أما قوله: * (ولا تكن للخائنين خصيما) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: معنى الآية: ولا تكن لأجل الخائنين مخاصما لمن كان بريئا عن الذنب، يعني