ذكر كونه سارقا على ذكر وجوب القطع، وهذا يقتضي أن يكون أكبر العناية مصروفا إلى شرح ما يتعلق بحال السارق من حيث إنه سارق، وأما القراءة بالنصب فإنها تقتضي أن تكون العناية ببيان القطع أتم من العناية بكونه سارقا، ومعلوم أنه ليس كذلك، فإن المقصود في هذه الآية بيان تقبيح السرقة والمبالغة في الزجر عنها، فثبت أن القراءة بالرفع هي المتعينة قطعا والله أعلم. المسألة الثانية: قال كثير من المفسرين الأصوليين: هذه الآية مجملة من وجوه: أحدها: أن الحكم معلق على السرقة، ومطلق السرقة غير موجب للقطع، بل لا بد وأن تكون هذه السرقة سرقة لمقدار مخصوص من المال، وذلك القدر غير مذكور في الآية فكانت مجملة، وثانيها: أنه تعالى أوجب قطع الأيدي، وليس فيه بيان أن الواجب قطع الأيدي الأيمان والشمائل، وبالاجماع لا يجب قطعهما معا فكانت الآية مجملة، وثالثها: أن اليد اسم يتناول الأصابع فقط، ألا ترى أنه لو حلف لا يمس فلانا بيده فمسه بأصابعه فإنه يحنث في يمينه، فاليد اسم يقع على الأصابع وحدها، ويقع على الأصابع مع الكف، ويقع على الأصابع والكف والسعدين إلى المرفقين، ويقع على كل ذلك إلى المنكبين، وإذا كان لفظ اليد محتملا لكل هذه الأقسام، والعين غير مذكور في هذه الآية فكانت مجملة، ورابعها: أن قوله * (فاقطعوا) * خطاب مع قوم، فيحتمل أن يكون هذا التكليف واقعا على مجموع الأمة، وأن يكون واقعا على طائفة مخصوصة منهم، وأن يكون واقعا على شخص معين منهم، وهو إمام الزمان كما يذهب إليه الأكثرون، ولما لم يكن التعيين مذكورا في الآية كانت الآية مجملة، فثبت بهذه الوجوه أن هذه الآية مجملة على الإطلاق، هذا تقرير هذا المذهب. وقال قوم من المحققين: الآية ليست مجملة البتة، وذلك لأنا بينا أن الألف واللام في قوله * (والسارق والسارقة) * قائم مقام " الذي " والفاء في قوله * (فاقطعوا) * للجزاء، فكان التقدير: الذي سرق فاقطعوا يده، ثم تأكد هذا بقوله تعالى: * (جزاء بما كسبا) * وذلك الكسب لا بد وأن يكون المراد به ما تقدم ذكره وهو السرقة، فصار هذا دليلا على أن مناط الحكم ومتعلقه هو ماهية السرقة ومقتضاه أن يعم الجزاء فيما حصل هذا الشرط، اللهم إلا إذا قام دليل منفصل يقتضي تخصيص هذا العام، وأما قوله " الأيدي " عامة فنقول: مقتضاه قطع الأيدي لكنه لما انعقد الاجماع على أنه لا يجب قطعهما معا، ولا الابتداء باليد اليسرى أخرجناه عن العموم.
وأما قوله: لفظ اليد دائر بين أشياء فنقول: لا نسلم، بل اليد اسم لهذا العضو إلى المنكب، ولهذا السبب قال تعالى: * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) * (المائدة: 6) فلولا دخول العضدين في هذا الاسم وإلا لما احتيج إلى التقيد بقوله * (إلى المرافق) * فظاهر الآية يوجب قطع اليدين من المنكبين كما هو قول الخوارج، إلا أنا تركنا ذلك لدليل منفصل.