وأما قوله: رابعا: يحتمل أن يكون الخطاب مع كل واحد، وأن يكون مع واحد معين. قلنا: ظاهره أنه خطاب مع كل أحد، ترك العمل به فيما صار مخصوصا بدليل منفصل فيبقى معمولا به في الباقي. والحاصل أنا نقول: الآية عامة، فصارت مخصوصة بدلائل منفصلة في بعض الصور فتبقى حجة فيما عداها، ومعلوم أن هذا القول أولى من قول من قال: إنها مجملة فلا تفيد فائدة أصلا. المسألة الثالثة: قال جمهور الفقهاء: القطع لا يجب إلا عند شرطين: قدر النصاب، وأن تكون السرقة من الحرز، وقال ابن عباس وابن الزبير والحسن البصري: القدر غير معتبر، فالقطع واجب في سرقة القليل والكثير، والحرز أيضا غير معتبر، وهو قول داود الأصفهاني، وقول الخوارج، وتمسكوا في المسألة بعموم الآية كما قررناه، فإن قوله * (والسارق والسارقة) * يتناول السرقة سواء كانت قليلة أو كثيرة وسواء سرقت من الحرز أو من غير الحرز. إذا ثبت هذا فنقول: لو ذهبنا إلى التخصيص لكان ذلك إما بخبر الواحد، أو بالقياس وتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد وبالقياس غير جائز، وحجة جمهور الفقهاء أنه لا حاجة بنا إلى القول بالتخصيص، بل نقول: إن لفظ السرقة لفظة عربية، ونحن بالضرورة نعلم أن أهل اللغة لا يقولون لمن أخذ حبة من حنطة الغير، أو تبنة واحدة، أو كسرة صغيرة من خبز: إنه سرق ماله، فعلمنا أن أخذ مال الغير كيفما كان لا يسمى سرقة، وأيضا السرقة مشتقة من مسارقة عين المالك، وإنما يحتاج إلى مسارقة عين المالك لو كان المسروق أمرا يكون متعلق الرغبة في محل الشح والضنة حتى يرغب السارق في أخذه ويتضايق المسروق منه في دفعه إلى الغير ولهذا الطريق اعتبرنا في وجوب القطع أخذ المال من حرز المثل، لأن ما لا يكون موضوعا في الحرز لا يحتاج في أخذه إلى مسارقة الأعين فلا يسمى أخذه سرقة. وقال داود: نحن لا نوجب القطع في سرقة الحبة الواحدة، ولا في سرقة التبنة الواحدة، بل في أقل شيء يجري فيه الشح والضنة، وذلك مقادير القلة والكثرة غير مضبوطة، فربما استحقر الملك الكبير لآلافا مؤلفة، وربما استعظم الفقير طسوجا، ولهذا قال الشافعي رحمه الله: لو قال لفلان على مال عظيم، ثم فسر بالحبة يقبل قوله فيه لاحتمال أنه كان عظيما عنده لغاية فقره وشدة احتياجه إليه، ولما كانت مقادير القلة والكثرة غير مضبوطة وجب بناء الحكم على أقل ما يسمى مالا، وليس لقائل أن يستبعد ويقول: كيد يجوز قطع اليد في سرقة الطسوجة الواحدة، لأن الملحدة قد جعلوا هذا طعنا في الشريعة، فقالوا: اليد لما كانت قيمتها خمسمائة دينار من الذهب، فكيف تقطع لأجل القليل من المال؟ ثم إنا أجبنا عن هذا الطعن بأن
(٢٢٥)