وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما حكى أن اليهود سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وذكر تعالى بعده أنهم لا يطلبون ذلك لأجل الاسترشاد ولكن لأجل العناد واللجاج، وحكى أنواعا كثيرة من فضائحهم وقبائحهم، وامتد الكلام إلى هذا المقام، شرع الآن في الجواب عن تلك الشبهة فقال: * (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) * والمعنى: أنا توافقنا على نبوة نوح وإبراهيم وإسماعيل وجميع المذكورين في هذه الآية، وعلى أن الله تعالى أوحى إليهم، ولا طريق إلى العلم بكونهم أنبياء الله ورسله إلا ظهور المعجزات عليهم ولكل واحد منهم نوع آخر من المعجزات على التعيين، وما أنزل الله على كل واحد من أنواع المعجزات عليهم، علمنا أن هذه الشبهة زائلة، وأن إصرار اليهود على طلب هذه المعجزة باطل، وتحقيق القول فيه أن إثبات المدلول يتوقف على ثبوت الدليل، ثم إذا حصل الدليل وتم فالمطالبة بدليل آخر تكون طلبا للزيادة وإظهارا للتعنت واللجاج، والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فلا اعتراض عليه لأحد بأنه لم أعطى هذا الرسول هذه المعجزة وذلك الرسول الآخر معجزا آخر، وهذا الجواب المذكور ههنا هو الجواب المذكور في قوله تعالى: * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * (الإسراء: 90) إلى قوله * (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) * (الإسراء: 93) يعني أنك إنما ادعيت الرسالة، والرسول لا بد له من معجزة تدل على صدقه، وذلك قد حصل، وأما أن تأتي بكل ما يطلب منك فذاك ليس من شرط الرسالة، فهذا جواب معتمد عن الشبهة التي أوردها اليهود، وهو المقصود الأصلي من هذه الآية.
المسألة الثانية: قال الزجاج: الإيحاء الإعلام على سبيل الخفاء، قال تعالى: * (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) * (مريم: 11) أي أشار إليهم، وقال * (وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي) * (المائدة: 111) وقال * (وأوحى ربك إلى النحل) * (النحل: 68) * (وأوحينا إلى أم موسى) * (القصص: 7) والمراد بالوحي في هذه الآيات الثلاثة الإلهام.
المسألة الثالثة: قالوا إنما بدأ تعالى بذكر نوح لأنه أول نبي شرع الله تعالى على لسانه الأحكام والحلال والحرام، ثم قال تعالى: * (والنبيين من بعده) * ثم خص بعض النبيين بالذكر لكونهم أفضل من غيرهم كقوله * (وملائكته ورسله وجبريل وميكال) * (البقرة: 98).
واعلم أن الأنبياء المذكورين في هذه الآية سوى موسى عليه السلام إثنا عشر ولم يذكر موسى