صورته في الإنجماد والبياض حارا ويستحيل عند المعتزلة أن لا يترتب الثواب على مثل هذا الفعل فوجب أن يكون الدعاء ههنا أقبح فلما لم يكن كذلك علمنا أنه لا يجب للعبد على الله شيء أصلا والله أعلم.
المسألة الثانية: إنما عقب هذا الدعاء بقوله: * (إنك أنت السميع العليم) * كأنه يقول: تسمع دعاءنا وتضرعنا، وتعلم ما في قلبنا من الإخلاص وترك الالتفات إلى أحد سواك. فإن قيل: قوله: * (إنك أنت السميع العليم) * يفيد الحصر وليس الأمر كذلك، فإن غيره قد يكون سميعا. قلنا: إنه سبحانه لكماله في هذه الصفة يكون كأنه هو المختص بها دون غيره.
النوع الثاني: من الدعاء قوله: * (ربنا واجعلنا مسلمين لك) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: احتج أصحابنا في مسألة خلق الأعمال بقوله: * (ربنا واجعلنا مسلمين لك) * فإن الإسلام إما أن يكون المراد منه الدين والاعتقاد، أو الاستسلام والانقياد، وكيف كان فقد رغبا في أن يجعلهما بهذه الصفة: وجعلهما بهذه الصفة لا معنى له إلا خلق ذلك فيهما، فإن الجعل عبارة عن الخلق، قال الله تعالى: * (وجعل الظلمات والنور) * (الأنعام: 1) فدل هذا على أن الإسلام مخلوق لله تعالى، فإن قيل: هذه الآية متروكة الظاهر لأنها تقتضي أنهما وقت السؤال غير مسلمين، إذ لو كانا مسلمين لكان طلب أن يجعلهما مسلمين طلبا لتحصيل الحاصل وإنه باطل، لكن المسلمين أجمعوا على أنهما كانا في ذلك الوقت مسلمين، ولأن صدور هذا الدعاء منهما لا يصلح إلا بعد أن كانا مسلمين، وإذا ثبت أن الآية متروكة الظاهر لم يجز التمسك بها، سلمنا أنها ليست متروكة الظاهر، لكن لا نسلم أن الجعل عبارة عن الخلق والإيجاد، بل له معان أخر سوى الخلق. أحدها: جعل بمعنى صير، قال الله تعالى: * (هو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا) * (الفرقان: 47). وثانيها: جعل بمعنى وهب، نقول: جعلت لك هذه الضيعة وهذا العبد وهذا الفرس. وثالثها: جعل بمعنى الوصف للشيء والحكم به كقوله تعالى: * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) * (الزخرف: 19)، وقال: * (وجعلوا لله شركاء الجن) * (الأنعام: 10). ورابعها: جعله كذلك بمعنى الأمر كقوله تعالى: * (وجعلناهم أئمة) * (الأنبياء: 73) يعني أمرناهم بالاقتداء بهم، وقال: * (إني جاعلك للناس إماما) * (البقرة: 124) فهو بالأمر. وخامسها: أن يجعله بمعنى التعليم كقوله: جعلته كاتبا وشاعرا إذا علمته ذلك. وسادسها: البيان والدلالة تقول: جعلت كلام فلان باطلا إذا أوردت من الحجة ما يبين بطلان ذلك، إذا ثبت ذلك فنقول: لم لا يجوز أن يكون المراد وصفهما بالإسلام والحكم لهما بذلك كما يقال: جعلني فلان لصا وجعلني فاضلا أديبا إذا وصفه بذلك، سلمنا أن المراد من الجعل الخلق، لكن لم لا يجوز أن يكون المراد منه خلق الألطاف