من هذه الرتبة. وأما إن الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم فيدل عليه وجوه. أحدها: إجماع المفسرين وهو حجة. وثانيها: ما روي عنه عليه السلام أنه قال: " أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى " وأراد بالدعوة هذه الآية، وبشارة عيسى عليه السلام ما ذكر في سورة الصف من قوله: * (مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * (الصف: 6). وثالثها: أن إبراهيم عليه السلام إنما دعا بهذا الدعاء بمكة لذريته الذين يكونون بها وبما حولها ولم يبعث الله تعالى إلى من بمكة وما حولها إلا محمدا صلى الله عليه وسلم.
وههنا سؤال وهو أنه يقال: ما الحكمة في ذكر إبراهيم عليه السلام مع محمد صلى الله عليه وسلم في باب الصلاة حيث يقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؟
وأجابوا عنه من وجوه، أولها: أن إبراهيم عليه السلام دعا لمحمد عليه السلام حيث قال: * (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك) * فلما وجب للخليل على الحبيب حق دعائه له قضى الله تعالى عنه حقه بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيامة. وثانيها: أن إبراهيم عليه السلام سأل ذلك ربه بقوله: * (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) * (الشعراء: 84) يعني ابق لي ثناء حسنا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فأجابه الله تعالى إليه وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاء للثناء الحسن عليه في أمته. وثالثها: أن إبراهيم كان أب الملة لقوله: * (ملة أبيكم إبراهيم) * (الحج: 78) ومحمد كان أب الرحمة، وفي قراءة ابن مسعود: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم) وقال في قصته: * (بالمؤمنين رؤوف رحيم) * (التوبة: 128) وقال عليه السلام: " إنما أنا لكم مثل الوالد "، يعني في الرأفة والرحمة، فلما وجب لكل واحد منهم حق الأبوة من وجه قرب بين ذكرهما في باب الثناء والصلاة. ورابعها: أن إبراهيم عليه السلام كان منادي الشريعة في الحج: * (وأذن في الناس بالحج) * (الحج: 27) وكان محمد عليه السلام منادي الدين: * (سمعنا مناديا ينادي للإيمان) * (آل عمران: 193) فجمع الله تعالى بينهما في الذكر الجميل.
واعلم أنه تعالى لما طلب بعثة رسول منهم إليهم، ذكر لذلك الرسول صفات. أولها: قوله: * (يتلو عليهم آياتك) * وفيه وجهان. الأول: أنها الفرقان الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لأن الذي كان يتلوه عليهم ليس إلا ذلك، فوجب حمله عليه. الثاني: يجوز أن تكون الآيات هي الأعلام الدالة على وجود الصانع وصفاته سبحانه وتعالى، ومعنى تلاوته إياها عليهم: أنه كان يذكرهم بها ويدعوهم إليها ويحملهم على الإيمان بها. وثانيها: قوله: * (ويعلمهم الكتاب) * والمراد أنه يأمرهم بتلاوة الكتاب ويعلمهم معاني الكتاب وحقائقه، وذلك لأن التلاوة مطلوبة لوجوه: منها بقاء لفظها على ألسنة أهل التواتر فيبقى مصونا عن التحريف والتصحيف، ومنها أن يكون لفظه