العرش، وقبلة الروحانيين: الكرسي، وقبلة الكروبيين: البيت المعمور، وقبلة الأنبياء الذين قبلك بيت المقدس، وقبلتك الكعبة.
أما قوله تعالى: * (وجهة) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرىء: * (ولكل وجهة) * على الإضافة والمعنى: وكل وجهة هو موليها فزيدت اللام لتقدم المفعول كقولك: لزيد ضربت، ولزيد أبوه ضارب.
المسألة الثانية: قال الفاء: وجهة، وجهة، ووجه بمعنى واحد، واختلفوا في المراد فقال الحسن: المراد المنهاج والشرع، وهو كقوله تعالى: * (لكل أمة جعلنا منسكا) * (الحج: 67)، * (لكل جعلنا منكم) * (المائدة: 48) * (شرعة ومنهاجا) * (المائدة: 48) والمراد منه أن للشرائع مصالح، فلا جرم اختلفت الشرائع بحسب اختلاف الأشخاص، وكما اختلف بحسب اختلاف الأشخاص لم يبعد أيضا اختلافها بحسب اختلاف الزمان بالنسبة إلى شخص واحد، فلهذا صح القول بالنسخ والتغيير، وقال الباقون: المراد منه أمر القبلة، لأنه تقدم قوله تعالى: * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * (البقرة: 144) فهذه الوجهة يجب أن تكون محمولة على ذلك. أما قوله: * (هو موليها) * ففيه وجهان. الأول: أنه عائد إلى الكل، أي ولكل أحد وجهة هو مولى وجهه إليها. الثاني: أنه عائد إلى اسم الله تعالى، أي الله تعالى يوليها إياه، وتقدير الكلام على الوجه الأول أن نقول: أن لكل منكم وجهة أي جهة من القبلة هو موليها، أي هو مستقبلها. ومتوجه إليها لصلاته التي هو متقرب بها إلى ربه، وكل يفرح بما هو عليه ولا يفارقه، فلا سبيل إلى اجتماعكم على قبلة واحدة، مع لزوم الأديان المختلفة: * (فاستبقوا الخيرات) * أي فالزموا معاشر المسلمين قبلتكم فإنكم على خيرات من ذلك في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلشرفكم بقبلة إبراهيم وأما في الآخرة فللثواب العظيم الذي تأخذونه على انقيادكم لأوامره فإن إلى الله مرجعكم، وأينما تكونوا من جهات الأرض يأت بكم الله جميعا في صعيد القيامة، فيفصل بين المحق منكم والمبطل، حتى يتبين من المطيع منكم ومن العاصي، ومن المصيب منكم ومن المخطئ، إنه على ذلك قادر، ومن قال بهذا التأويل قال: المراد أن لكل من أهل الملل وجهة قد اختارها، إما بشريعة وإما بهوى، فلستم تؤخذون بفعل غيركم، فإنما لهم أعمالهم ولكم أعمالكم، وإما تقرير الكلام على الوجه الثاني أعني أن يكون الضمير في قوله: * (هو موليها) * عائدا إلى الله تعالى فههنا وجهان. الأول: أن الله عرفنا أن كل واحدة من هاتين القبلتين اللتين هما بيت المقدس والكعبة جهة يوليها الله تعالى عباده، إذا شاء يفعله على حسب ما يعلمه صلاحا فالجهتان من الله تعالى وهو الذي