وإذ فرقنا بكم البحر) * (البقرة: 50). الرابع: يجوز أن يكون السؤال واقعا عن الأحياء والأموات معا، فإنهم اشفقوا على ما كان من صلاتهم أن يبطل ثوابهم، وكان الإشفاق واقعا في الفريقين فقيل: إيمانكم للأحياء والأموات، إذ من شأن العرب إذا أخبروا عن حاضر وغائب أن يغلبوا الخطاب فيقولوا: كنت أنت وفلان الغائب فعلتما والله أعلم. القول الثاني: قول أبي مسلم، وهو أنه يحتمل أن يكون ذلك خطابا لأهل الكتاب، والمراد بالإيمان صلاتهم وطاعتهم قبل البعثة ثم نسخ، وإنما اختار أبو مسلم هذا القول لئلا يلزمه وقوع النسخ في شرعنا.
المسألة الثالثة: استدلت المعتزلة بقوله: * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * على أن الإيمان اسم لفعل الطاعات فإنه تعالى أراد بالإيمان ههنا الصلاة. والجواب: لا نسلم أن المراد من الإيمان ههنا الصلاة، بل المراد منه التصديق والإقرار فكأنه تعالى قال: أنه لا يضيع تصديقكم بوجوب تلك الصلاة سلمنا أن المراد من الإيمان ههنا الصلاة ولكن الصلاة أعظم الإيمان وأشرف نتائجه وفوائده فجاز إطلاق اسم الإيمان على الصلاة على سبيل الاستعارة من هذه الجهة.
المسألة الرابعة: قوله: * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * أي لا يضيع ثواب إيمانكم لأن الإيمان قد انقضى وفنى وما كان كذلك استحال حفظه وإضاعته إلا أن استحقاق الثواب قائم بعد انقضائه فصح حفظه وإضاعته وهو كقوله تعالى: * (أني لا أضيع عمل عامل منكم) * (آل عمران: 195).
أما قوله: * (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال القفال رحمه الله: الفرق بين الرأفة والرحمة أن الرأفة مبالغة في رحمة خاصة وهي دفع المكروه وإزالة الضرر كقوله: * (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) * (النور: 2) أي لا ترأفوا بهما فترفعوا الجلد عنهما، وأما الرحمة فإنها اسم جامع يدخل فيه ذلك المعنى ويدخل فيه الإفضال والإنعام، وقد سمى الله تعالى المطر رحمة فقال: * (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) * (الأعراف: 57) لأنه إفضال من الله وإنعام، فذكر الله تعالى الرأفة أولا بمعنى أنه لا يضيع أعمالهم ويخفف المحن عنهم، ثم ذكر الرحمة لتكون أعم وأشمل، ولا تختص رحمته بذلك النوع بل هو رحيم من حيث أنه دافع للمضار التي هي الرأفة وجالب للمنافع معا.
المسألة الثانية: ذكروا في وجه تعلق هذين الاسمين بما قبلهما وجوها. أحدها: أنه تعالى لما أخبر أنه لا يضيع إيمانهم قال: * (إن الله بالناس لرؤف رحيم) * (الحج: 65) والرؤوف الرحيم كيف يتصور منه