بعدي؟ فقيل له: اعرض خلافتك على جميع الخلق، فعرضها، فكل أباها غير ولده. و للمفسرين في المراد بعرض الأمانة على السماوات والأرض قولان:
أحدهما: أن الله تعالى ركب العقل في هذه الأعيان، وأفهمهن خطابه، وأنطقهن بالجواب حين عرضها عليهن، ولم يرد بقوله: " أبين " المخالفة، ولكن أبين للخشية والمخافة، لأن العرض كان تخييرا لا إلزاما، و " أشفقن " بمعنى خفن منها أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب، هذا قول الأكثرين.
والثاني: أن المراد بالآية: إنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة، قاله الحسن. و في المراد بالإنسان أربعة أقوال:
أحدها: آدم في قول الجمهور. والثاني: قابيل في قول السدي.
والثالث: الكافر والمنافق، قاله الحسن. والرابع: جميع الناس، قاله ثعلب.
قوله تعالى: (إنه كان ظلوما جهولا) فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ظلوما لنفسه، غرا بأمر ربه، قاله ابن عباس، والضحاك.
والثاني: ظلوما لنفسه، جهولا بعاقبة أمره، قاله مجاهد.
والثالث: ظلوما بمعصية ربه، جهولا بعقاب الأمانة، قاله ابن السائب.
و ذكر الزجاج في الآية وجها يخالف أكثر الأقوال، وذكر أنه موافق للتفسير فقال: إن الله تعالى ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمن السماوات والأرض والجبال على طاعته والخضوع له، فأما السماوات والأرض فقالتا: (أتينا طائعين) وأعلمنا أن من الحجارة ما يهبط من خشية الله، وأن الشمس والقمر والنجوم والجبال والملائكة يسجدون لله، فعرفنا الله تعالى أن السماوات والأرض لم تحتمل الأمانة، لأنها أدتها، وأداؤها: طاعة الله وترك معصيته، وكل من خان الأمانة فقد احتملها، وكذلك كل من أثم فقد احتمل الإثم، وكذلك قال الحسن: " وحملها الإنسان " أي: الكافر والمنافق حملاها، أي: خانا ولم يطيعا، فأما من أطاع، فلا يقال: كان ظلوما جهولا.
قوله تعالى: (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات) قال ابن قتيبة: المعنى: عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهم الله، ويظهر إيمان المؤمنين فيتوب الله عليهم، أي: يعود عليهم بالرحمة والمغفرة إن وقع منهم تقصير في الطاعات.