حتى تهاجروا، فخرجوا نحو المدينة فأدركهم المشركون فردوهم، فأنزل الله تعالى من أول هذه السورة عشر آيات، فكتبوا إليهم يخبرونهم بما نزل فيهم، فقالوا: نخرج، فان اتبعنا أحد قاتلناه، فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل، ومنهم من نجا، فأنزل الله تعالى فيهم:
(ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا)، هذا قول الحسن، والشعبي.
والثاني: أنها نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله عز وجل، قاله عبد الله بن عبيد ابن عمير.
والثالث: أنها نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب حين قتل ببدر، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله تعالى في أبويه وامرأته هذه الآية.
قوله تعالى: (أحسب الناس) قال ابن عباس: يريد بالناس: الذين آمنوا بمكة، كعياش ابن أبي ربيعة، وعمار بن ياسر، وسلمة بن هشام، وغيرهم.
قال الزجاج: لفظ الآية استخبار، ومعناها معنى التقرير والتوبيخ، والمعنى: أحسب الناس أن يتركوا بأن يقولوا: آمنا، ولأن يقولوا: آمنا، أي: أحسبوا أن يقنع منهم بأن يقولوا: إنا مؤمنون، فقط، ولا يمتحنون بما يبين حقيقة إيمانهم، (وهم لا يفتنون) أي: لا يختبرون بما يعلم به صدق إيمانهم من كذبه. و للمفسرين فيه قولان:
أحدهما: لا يفتنون في أنفسهم بالقتل والتعذيب، قاله مجاهد.
والثاني: لا يبتلون بالأوامر والنواهي.
قوله تعالى: (ولقد فتنا الذين من قبلهم) أي: ابتليناهم واختبرناهم، (فليعلمن الله) فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: فليرين الله [عز وجل] الذين صدقوا في إيمانهم عند البلاء إذا صبروا لقضائه، وليرين الكاذبين في إيمانهم إذا شكوا عند البلاء، قاله مقاتل.
والثاني: فليميزن، لأنه قد علم ذلك من قبل، قاله أبو عبيدة.
و الثالث: فليظهرن ذلك حتى يوجد معلومه، حكاه الثعلبي.
وقرأ علي بن أبي طالب [عليه السلام]، وجعفر بن محمد: " فليعلمن الله " " وليعلمن الكاذبين " " وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين " بضم الياء وكسر اللام.
قوله تعالى: (أم حسب) أي: أحسب (الذين يعملون السيئات) يعني الشرك (إن