يعلم بدليل قاطع أنه غير ناطق فوجب صرف وصفها بالقول والإخبار والشكوى إلى المجاز. والباري سبحانه حي لا يستحيل عندنا وعندكم أن يكون قائلا متكلما فوجب أن يكون وصفه لنفسه بالقول محمولا على الحقيقة دون المجاز. ولأنه لو جاز أن يكون وصفه لنفسه بالقول مجازا ومقيسا على هذه الأمور لوجب أن يكون وصفه لنفسه بالإرادة والعلم والقدرة مجازا واتساعا وعلى معنى أنه فاعل فقط وأن الأشياء لا تتعذر عليه قياسا على هذه المجازات التي ذكرتموها. فإن لم يجب هذا لأن المجاز لا يقاس عليه لم يجب ما قلتم. وعلى أن قوله «قالتا أتينا طائعين» حقيقة عندنا فلا تعلق فيه. وإنما يستحيل تكلم الجماد بالكلام الذي يوجد بالنفس مقارنا للقصد والتمييز.
ومما يدل على أنه لا يجوز أن يكون قوله «أن نقول له كن فيكون» مجازا واتساعا وعلى معنى أنه يكونه من غير أن يقول له اتفاق أهل العربية على أن العرب إذا ذكرت المصدر وأكدت به الفعل وجب أن يكون حقيقة كقولهم كلمته تكليما وضربته ضربا وأنه لذلك لم يجز أن يؤكدوا شيئا من المجاز الذي سألتم عنه فيقولوا. قال الحائط قولا وتخبرني العينان إخبارا. لأن ذلك يوجب أن تكون هذه الأوصاف حقائق فيما أجريت عليه. ولذلك صار قوله: وكلم الله موسى