وذكر أن ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب، فقال: رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما و ألحقني بالصالحين.
وذكر أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا، استغفر لهم أبوهم، فتاب الله عليهم وعفا عنهم وغفر لهم ذنبهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن صالح المري، عن زيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: إن الله تبارك وتعالى بما جمع ليعقوب شمله، وأقر عينه، خلا ولده نجيا، فقال بعضهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم وما لقي منكم الشيخ وما لقي منكم يوسف؟ قالوا: بلى. قال: فيغركم عفوهما عنكم، فكيف لكم بربكم؟
فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه، ويوسف إلى جنب أبيه قاعد، قالوا:
يا أبانا أتيناك في أمر لم نأتك في أمر مثله قط ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله حتى حركوه، والأنبياء أرحم البرية، فقال: مالكم يا بني؟ قالوا: ألست قد علمت ما كان منا إليك وما كان منا إلى أخينا يوسف؟ قال: بلى. قالوا: أفلستما قد عفوتما؟ قالا: بلى. قالوا: فإن عفوكما لا يغني عنا شيئا إن كان الله لم يعف عنا. قال: فما تريدون يا بني؟ قالوا: نريد أن تدعو الله لنا، فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا عما صنعنا قرت أعيننا واطمأنت قلوبنا، وإلا فلا قرة عين في الدنيا لنا أبدا. قال: فقام الشيخ واستقبل القبلة، وقام يوسف خلف أبيه، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين. قال: فدعا وأمن يوسف، فلم يجب فيهم عشرين سنة قال صالح المري: يخيفهم قال: حتى إذا كان رأس العشرين، نزل جبرئيل (ص) على يعقوب عليه السلام، فقال: إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك، وأنه قد عفا عما صنعوا، وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة.
حدثني المثنى، قال: ثنا الحارث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، قال: والله لو كان قتل يوسف مضى لأدخلهم الله النار كلهم، ولكن الله جل ثناؤه أمسك نفس يوسف ليبلغ فيه أمره ورحمة لهم. ثم يقول: والله ما قص الله نبأهم يعيرهم بذلك إنهم لأنبياء من أهل الجنة، ولكن الله قص علينا نبأهم لئلا يقنط عبده.
وذكر أن يعقوب توفي قبل يوسف، وأوصى إلى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق. ذكر من قال ذلك: