التي لو قبلوها كانت أيادي ونعما عندهم فلم يقبلوها ووجه قوله في أفواههم إلى معنى بأفواههم بعني بألسنتهم التي في أفواههم وقد ذكر عن بعض العرب سماعا أدخلك الله بالجنة يعنون في الجنة وينشد هذا البيت:
وأرغب فيها عن لقيط ورهطه * ولكنني عن سنبس لا أرغب يريد وأرغب فيها يعني أرغب بها عن لقيط ولا أرغب بها عن قبيلتي.
وقال آخرون بل معنى ذلك أنهم كانوا يضعون أيديهم على أفواه الرسل ردا عليهم قولهم وتكذيبا لهم. وقال آخرون هذا مثل وإنما أريد أنهم كفوا عما أمروا بقبوله من الحق ولم يؤمنوا به ولم يسلموا وقال يقال للرجل إذا أمسك عن الجواب فلم يجب: رد يده في فمه وذكر بعضهم أن العرب تقول كلمت فلانا في حاجة فرد يده في فيه وإذا سكت عنه فلم يجب. وهذا أيضا قول لا وجه له لان الله عز وجل ذكره قد أخبر عنهم أنهم قالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به فقد أجابوا بالتكذيب.
وأشبه هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل هذه الآية القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود أنهم ردوا أيديهم في أفواههم فعضوا عليها غيظا على الرسل كما وصف الله عز وجل به إخوانهم من المنافقين فقال وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم من رد اليد إلى الفم.
وقوله وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به يقول عز وجل وقال لرسلهم إنا كفرنا بما أرسلكم به من أرسلكم من الدعاء إلى ترك عبادة الأوثان والأصنام وإنا لفي شك من حقيقة ما تدعوننا إليه من توحيد الله مريب يقول يريبنا ذلك الشك أي يوجب لنا الريبة والتهمة فيه يقال منه أراب الرجل إذا أتى بريبة يريب أرابة. تأويل قولة تعالى: