إلا أو معنى حتى كما يقال في الكلام: لأضربنك أو تقر لي، فمن العرب من يجعل ما بعد أو في مثل هذا الموضع عطفا على ما قبله، إن كان ما قبله جزما جزموه، وإن كان نصبا نصبوه، وإن كان فيه لام جعلوا فيه لاما، إذ كانت أو حرف نسق. ومنهم من ينصب ما بعد أو بكل حال، ليعلم بنصبه أنه عن الأول منقطع عما قبله، كما قال امرؤ القيس:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه * وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له: لا تبك عينك إنما * نحاول ملكا أو نموت فنعذرا فنصب نموت فنعذرا وقد رفع نحاول، لأنه أراد معنى: إلا أن نموت، أو حتى نموت، ومنه قول الآخر:
لا أستطيع نزوعا عن مودتها * أو يصنع الحب بي غير الذي صنعا وقوله: فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين الذين ظلموا أنفسهم، فأوجبوا لها عقاب الله بكفرهم وقد يجوز أن يكون قيل لهم: الظالمون لعبادتهم، من لا تجوز عبادته من الأوثان والآلهة، فيكون بوضعهم العبادة في غير موضعها إذ كان ظلما سموا بذلك ظالمين.
وقوله: ولنسكننكم الأرض من بعدهم هذا وعد من الله من وعد من أنبيائه النصر على الكفرة به من قومه، يقول: لما تمادت أمم الرسل في الكفر، وتوعدوا رسلهم بالوقوع بهم، أوحى الله إليهم بإهلاك من كفر بهم من أممهم ووعدهم النصر. وكل ذلك كان من الله وعيدا وتهديدا لمشركي قوم نبينا محمد (ص) على كفرهم به وجرأتهم على نبيه، وتثبيتا لمحمد (ص) وأمرا له بالصبر على ما لقي من المكروه فيه من مشركي قومه، كما صبر من كان قبله من أولي العز من رسله، ومعرفه أن عاقبة أمر من كفر به الهلاك وعاقبته النصر عليهم، سنة الله في الذين خلوا من قبل.