جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج ٥ - الصفحة ٣٧٢
العمد، والاثم لا يكون إلا من العمد، ففصل جل ثناؤه لذلك بينهما، فقال: ومن يأت خطيئة على غير عمد منه لها، أو إثما على عمد منه ثم يرم به بريئا، يعني ثم يصف ما أتى من خطئه أو إثمه الذي تعمده بريئا مما أضافه إليه ونحله إياه، * (فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) * يقول: فقد تحمل بفعله ذلك فرية وكذبا وإثما عظيما، يعني وجرما عظيما على علم منه وعمد لما أتى من معصيته وذنبه.
واختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله: * (بريئا) * بعد إجماع جميعهم على أن الذي رمى البرئ من الاثم الذي كان أتاه ابن أبيرق الذي وصفنا شأنه قبل. فقال بعضهم:
عنى الله عز وجل بالبرئ رجلا من المسلمين يقال له لبيد بن سهل.
وقال آخرون: بل عنى رجلا من اليهود يقال له زيد بن السمين، وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فيما مضى. وممن قال كان يهوديا، ابن سيرين.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين: * (ثم يرم به بريئا) * قال: يهوديا.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا بدل بن المحبر، قال: ثنا شعبة، عن خالد، عن ابن سيرين، مثله.
وقيل: * (يرم به بريئا) * بمعنى: ثم يرم بالاثم الذي أتى هذا الخائن من هو برئ مما رماه به، فالهاء في قوله به عائدة على الاثم، ولو جعلت كناية من ذكر الاثم والخطيئة كان جائزا، لان الأفعال وإن اختلفت العبارات عنها فراجعة إلى معنى واحد بأنها فعل.
وأما قوله: * (فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا) * فإن معناه: فقد تحمل هذا الذي رمي بما أتى من المعصية وركب من الاثم والخطيئة من هو برئ مما رماه به من ذلك بهتانا، وهو ا لفرية والكذب، وإثما مبينا، يعني وزرا مبينا، يعني أنه يبين عن أمر عمله وجراءته على ربه وتقدمه على خلافه فيما نهاه عنه لمن يعرف أمره. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»
الفهرست