وقال آخرون: الإناث في هذا الموضع: الأوثان. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: * (إناثا) * قال: أوثانا.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا سفيان، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كان في مصحف عائشة: إن يدعون من دونه إلا إناثا.
قال أبو جعفر: روي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: أن يدعون من دونه إلا أثنا، بمعنى جمع وثن، فكأنه جمع وثنا وثنا، ثم قلب الواو همزة مضمومة، كما قيل: ما أحسن هذه الأجوه، بمعنى الوجوه، وكما قيل: * (وإذا الرسل أقتت) * بمعنى: وقتت. وذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: إن يدعون من دونه إلا أنثا، كأنه أراد جمع الإناث، فجمعها أنثا، كما تجمع الثمار ثمرا. والقراءة التي لا أستجيز القراءة بغيرها قراءة من قرأ: * (إن يدعون من دونه إلا إناثا) * بمعنى جمع أنثى، لأنها كذلك في مصاحف المسلمين، ولاجماع الحجة على قراءة ذلك كذلك.
وأولى التأويلات التي ذكرت بتأويل ذلك إذ كان الصواب عندنا من القراءة ما وصفت، تأويل من قال: عنى بذلك الآلهة التي كان مشركو العرب يعبدونها من دون الله، ويسمونها بالإناث من الأسماء كاللات والعزى ونائلة ومناة، وما أشبه ذلك.
وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية، لان الأظهر من معاني الإناث في كلام العرب ما عرف بالتأنيث دون غيره. فإذ كان ذلك كذلك، فالواجب توجيه تأويله إلى الأشهر من معانيه، وإذ كان ذلك كذلك فتأويل الآية: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين، نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا، إن يدعون من دونه إلا إناثا، يقول: ما يدعو الذين يشاقون الرسول ويتبعون غير سبيل المؤمنين شيئا من دون الله بعد الله وسواه، إلا إناثا، يعني: إلا ما سموه بأسماء الإناث كاللات والعزى وما أشبه ذلك. يقول جل ثناؤه: فحسب هؤلاء الذين أشركوا بالله وعبدوا ما عبدوا من دونه من الأوثان والأنداد، حجة عليهم في ضلالتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل، أنهم