وقوله: * (وسعة) * فإنه يحتمل السعة في أمر دينهم بمكة، وذلك منعهم إياهم من إظهار دينهم وعبادة ربهم علانية ثم أخبر جل ثناؤه عمن خرج مهاجرا من أرض الشرك فارا بدينه إلى الله وإلى رسوله إن أدركته منيته قبل بلوغه أرض الاسلام ودار الهجرة، فقال:
من كان كذلك فقد وقع أجره على الله، وذلك ثواب عمله وجزاء هجرته وفراق وطنه وعشيرته إلى دار الاسلام وأهل دينه. يقول جل ثناؤه: ومن يخرج مهاجرا من داره إلى الله وإلى رسوله، فقد استوجب ثواب هجرته إن لم يبلغ دار هجرته باخترام المنية إياه قبل بلوغه إياها على ربه. * (وكان الله غفورا رحيما) * يقول: ولم يزل الله تعالى ذكره غفورا، يعني: ساترا ذنوب عباده المؤمنين بالعفو لهم عن العقوبة عليها رحيما بهم رفيقا. وذكر أن هذه الآية نزلت بسبب بعض من كان مقيما بمكة وهو مسلم، فخرج لما بلغه أن الله أنزل الآيتين قبلها، وذلك قوله: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) *... إلى قوله: * (وكان الله عفوا غفورا) * فمات في طريقه قبل بلوغه المدينة. ذكر الأخبار الواردة بذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: * (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله) * قال: كان رجل من خزاعة يقال له ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباع، قال: فلما أمروا بالهجرة كان مريضا، فأمر أهله أن يفرشوا له على سريره ويحملوه إلى رسول الله (ص)، قال: ففعلوا، فأتاه الموت وهو بالتنعيم، فنزلت هذه الآية.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قال: نزلت هذه الآية: * (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) * في ضمرة بن العيص بن الزنباع، أو فلان بن ضمرة بن العيص بن الزنباع، حين بلغ التنعيم مات فنزلت فيه.