واختلف أهل العربية في وجه الرفع في قوله: * (إلا قليل منهم) * فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنه رفع قليل لأنه جعل بدلا من الأسماء المضمرة في قوله: * (ما فعلوه) * لان الفعل لهم. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما رفع على نية التكرير، كأن معناه: ما فعلوه ما فعله إلا قليل منهم، كما قال عمرو بن معد يكرب:
وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: رفع القليل بالمعنى الذي دل عليه قوله: * (ما فعلوه إلا قليل منهم) * وذلك أن معنى الكلام: ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعله إلا قليل منهم. فقيل: ما فعلوه على الخبر عن الذين مضى ذكرهم في قوله: * (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) *، ثم استثنى القليل، فرفع بالمعنى الذي ذكرنا، إذ كان الفعل منفيا عنه. وهي في مصاحف أهل الشام: ما فعلوه إلا قليلا منهم. وإذا قرئ كذلك، فلا مرد به على قارئه في إعرابه، لأنه المعروف في كلام العرب، إذ كان الفعل مشغولا بما فيه كناية من قد جرى ذكره، ثم استثني منهم القليل.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا) *.
يعني جل ثناؤه بذلك: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدون عنك صدودا، * (فعلوا ما يوعظون به) * يعني: ما يذكرون به من طاعة الله والانتهاء إلى أمره، * (لكان خيرا لهم) * في عاجل دنياهم وآجل معادهم، * (وأشد تثبيتا) * وأثبت لهم في أمورهم، وأقوم لهم عليها. وذلك أن المنافق يعمل على شك، فعمله يذهب باطلا، وغناؤه يضمحل فيصير هباء، وهو بشكه يعمل على