بحكمهما، والانتهاء إلى أمرهما، والانزجار عما نهيا عنه من معصية الله، فهو مع الذين أنعم الله عليهم بهدايته والتوفيق لطاعته في الدنيا من أنبيائه وفي الآخرة إذا دخل الجنة. * (والصديقين) * وهم جمع صديق.
واختلف في معنى الصديقين، فقال بعضهم: الصديقون: تباع الأنبياء الذين صدقوهم واتبعوا منهاجهم بعدهم حتى لحقوا بهم. فكأن الصديق فعيل على مذهب قائلي هذه المقالة من الصدق، كما يقال رجل سكير من السكر، إذا كان مدمنا على ذلك، وشريب وخمير.
وقال آخرون: بل هو فعيل من الصدقة. وقد روي عن رسول الله (ص) بنحو تأويل من قال ذلك، وهو ما:
حدثنا به سفيان بن وكيع، قال: ثنا خالد بن مخلد، عن موسى بن يعقوب، قال: أخبرتني عمتي قريبة بنت عبد الله بن وهب بن زمعة، عن أمها كريمة بنت المقداد، عن ضباعة بنت الزبير، وكانت تحت المقداد عن المقداد، قال: قلت للنبي (ص): شئ سمعته منك شككت فيه! قال: إذا شك أحدكم في الامر فليسألني عنه! قال: قلت قولك في أزواجك: إني لأرجو لهن من بعدي الصديقين؟ قال: من تعنون الصديقين؟ قلت:
أولادنا الذين يهلكون صغارا. قال: لا، ولكن الصديقين هم المصدقون.
وهذا خبر لو كان إسناده صحيحا لم نستجز أن نعدوه إلى غيره، ولو كان في إسناده بعض ما فيه. فإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بالصديق أن يكون معناه المصدق قوله بفعله، إذ كان الفعيل في كلام العرب إنما يأتي إذا كان مأخوذا من الفعل بمعنى المبالغة، إما في المدح وإما في الذم، ومنه قوله جل ثناؤه في صفة مريم: * (وأمه صديقة) *. وإذا كان معنى ذلك ما وصفنا، كان داخلا من كان موصوفا بما قلنا في صفة المتصدقين والمصدقين، * (والشهداء) * وهم جمع شهيد: وهو المقتول في سبيل الله، سمي بذلك لقيامه بشهادة الحق في جنب الله حتى قتل. * (والصالحين) * وهم جمع صالح: وهو كل من صلحت سريرته وعلانيته.
وأما قوله جل ثناؤه: * (وحسن أولئك رفيقا) * فإنه يعني: وحسن هؤلاء الذين نعتهم ووصفهم رفقاء في الجنة. والرفيق في لفظ الواحد بمعنى الجميع، كما قال الشاعر: