وحملوا الكلام على غير معناه المعروف وسوى وجهه المفهوم. وذلك أن الجاري من الكلام على ألسن العرب المفهوم في خطابهم بينهم إذا قال بعضهم لبعض: كما أحسنت إليك يا فلان فأحسن أن لا يشترطوا للآخر، لان الكاف في كما شرط معناه: افعل كما فعلت، ففي مجئ جواب: اذكروني بعده وهو قوله: أذكركم أوضح دليل على أن قوله: كما أرسلنا من صلة الفعل الذي قبله، وأن قوله: اذكروني أذكركم خبر مبتدأ منقطع عن الأول، وأنه من سبب قوله: كما أرسلنا فيكم بمعزل.
وقد زعم بعض النحويين أن قوله: فاذكروني إذا جعل قوله: كما أرسلنا فيكم جوابا له مع قوله: أذكركم نظير الجزاء الذي يجاب بجوابين، كقول القائل: إذا أتاك فلان فأته ترضه، فيصير قوله فأته وترضه جوابين لقوله: إذا أتاك، وكقوله: إن تأتني أحسن إليك أكرمك. وهذا القول وإن كان مذهبا من المذاهب، فليس بالأسهل الأفصح في كلام العرب. والذي هو أولى بكتاب الله عز وجل أن يوجه إليه من اللغات الأفصح الأعرف من كلام العرب دون الأنكر الأجهل من منطقها هذا مع بعد وجهه من المفهوم في التأويل.
ذكر من قال: إن قوله: كما أرسلنا جواب قوله: فاذكروني.
1914 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، قال:
سمعت ابن أبي نجيح يقول في قول الله عز وجل: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم كما فعلت فاذكروني.
1915 - حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
قوله: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم فإنه يعني بذلك العرب، قال لهم جل ثناؤه:
ألزموا أيها العرب طاعتي، وتوجهوا إلى القبلة التي أمرتكم بالتوجه إليها، لتنقطع حجة اليهود عنكم، فلا تكون لهم عليكم حجة، ولاتم نعمتي عليكم وتهتدوا، كما ابتدأتكم بنعمتي فأرسلت فيكم رسولا إليكم منكم، وذلك الرسول الذي أرسله إليهم منهم محمد (ص). كما:
1916 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يعني محمدا (ص).