وقوله جل ثناؤه: وصد عن سبيل الله ومعنى الصد عن الشئ: المنع منه، والدفع عنه، ومنه قيل: صد فلان بوجهه عن فلان: إذا أعرض عنه فمنعه من النظر إليه.
وقوله: وكفر به يعني: وكفر بالله، والباء في به عائدة على اسم الله الذي في سبيل الله.
وتأويل الكلام: وصد عن سبيل الله، وكفر به، وعن المسجد الحرام وإخراج أهل المسجد الحرام، وهم أهله وولاته أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام. فالصد عن سبيل الله مرفوع بقوله أكبر عند الله وقوله: وإخراج أهله منه عطف على الصد ثم ابتدأ الخبر عن الفتنة فقال: والفتنة أكبر من القتل يعني: الشرك أعظم وأكبر من القتل، يعني من قتل ابن الحضرمي الذي استنكرتم قتله في الشهر الحرام.
وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله: والمسجد الحرام معطوف على القتال، وأن معناه: يسألونك عن الشهر الحرام، عن قتال فيه، وعن المسجد الحرام، فقال الله جل ثناؤه: وإخراج أهله منه أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام.
وهذا القول مع خروجه من أقوال أهل العلم، قول لا وجه له لان القوم لم يكونوا في شك من عظيم ما أتى المشركون إلى المسلمين في إخراجهم إياهم من منازلهم بمكة، فيحتاجوا إلى أن يسألوا رسول الله (ص) عن اخراج المشركين إياهم من منازلهم، وهل ذلك كان لهم؟ بل لم يدع ذلك عليهم أحد من المسلمين، ولا أنهم سألوا رسول الله (ص) عن ذلك. وإذا كان ذلك كذلك، فلم يكن القوم سألوا رسول الله (ص) إلا عما ارتابوا بحكمه كارتيابهم في أمر قتل ابن الحضرمي، إذ ادعوا أن قاتله من أصحاب رسول الله (ص) قتله في الشهر الحرام، فسألوا عن أمره، لارتيابهم في حكمه. فأما اخراج المشركين أهل الاسلام من المسجد الحرام، فلم يكن فيهم أحد شاكا أنه كان ظلما منهم لهم فيسألوا عنه.
ولا خلاف بين أهل التأويل جميعا أن هذه الآية نزلت على رسول الله (ص) في سبب قتل ابن الحضرمي وقاتله. ذكر الرواية عمن قال ذلك:
3251 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، قال: ثني الزهري، ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير، قال: بعث رسول الله (ص) عبد الله بن جحش في رجب مقفله من بدر الأولى، وبعث معه بثمانية رهط من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، وكتب له كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما