وأما الذي تأول ذلك أنه بمعنى: لا إثم عليه إلى عام قابل فلا وجه لتحديد ذلك بوقت، وإسقاطه الاثم عن الحاج سنة مستقبلة، دون آثامه السالفة، لان الله جل ثناؤه لم يحصر ذلك على نفي إثم وقت مستقبل بظاهر التنزيل، ولا على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام، بل دلالة ظاهر التنزيل تبين عن أن المتعجل في اليومين والمتأخر لا إثم على كل واحد منهما في حاله التي هو بها دون غيرها من الأحوال، والخبر عن الرسول (ص) يصرح بأنه بانقضاء حجه على ما أمر به خارج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. ففي ذلك من دلالة ظاهر التنزيل، وصريح قول الرسول (ص) دلالة واضحة على فساد قول من قال: معنى قوله:
فلا إثم عليه فلا إثم عليه من وقت انقضاء حجه إلى عام قابل.
فإن قال لنا قائل: ما الجالب اللام في قوله: لمن اتقى وما معناها؟ قيل: الجالب لها معنى قوله: فلا إثم عليه لان في قوله: فلا إثم عليه معنى حططنا ذنوبه وكفرنا آثامه، فكان في ذلك معنى: جعلنا تكفير الذنوب لمن اتقى الله في حجه، فترك ذكر جعلنا تكفير الذنوب اكتفاء بدلالة قوله: فلا إثم عليه.
وقد زعم بعض نحويي البصرة أنه كأنه إذا ذكر هذه الرخصة فقد أخبر عن أمر، فقال: لمن اتقى أي هذا لمن اتقى. وأنكر بعضهم ذلك من قوله، وزعم أن الصفة لا بد لها من شئ تتعلق به، لأنها لا تقوم بنفسها، ولكنها فيما زعم من صلة قول متروك، فكان معنى الكلام عنده ما قلنا: ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى، وقام قوله:
ومن تأخر فلا إثم عليه مقام القول.
وزعم بعض أهل العربية أن موضع طرح الاثم في المتعجل، فجعل في المتأخر، وهو الذي أدى ولم يقصر، مثل ما جعل على المقصر، كما يقال في الكلام: إن تصدقت سرا فحسن، وإن أظهرت فحسن. وهما مختلفان، لان المتصدق علانية إذا لم يقصد الرياء فحسن، وإن كان الاسرار أحسن وليس في وصف حالتي المتصدقين بالحسن وصف إحداهما بالاثم وقد أخبر الله عز وجل عن النافرين بنفي الاثم عنهما، ومحال أن ينفي عنهما إلا ما كان في تركه الاثم على ما تأوله قائلو هذه المقالة. وفي إجماع الجميع على أنهما جميعا لو تركا النفر وأقاما بمنى لم يكونا آثمين ما يدل على فساد التأويل الذي تأوله من حكينا عنه هذا القول. وقال أيضا: فيه وجه آخر، وهو معنى نهي الفريقين عن أن يؤثم