ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس كان معلوما بذلك أنه لم يأمر بالإفاضة إلا من الموضع الذي لم يفيضوا منه دون الموضع الذي قد أفاضوا منه، وكان الموضع الذي قد أفاضوا منه فانقضى وقت الإفاضة منه، لا وجه لان يقال: أفض منه. فإذا كان لا وجه لذلك وكان غير جائز أن يأمر الله عز وجل بأمر لا معنى له، كانت بينة صحة ما قاله من التأويل في ذلك، وفساد ما خالفه لولا الاجماع الذي وصفناه وتظاهر الاخبار بالذي ذكرنا عمن حكينا قوله من أهل التأويل فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه: والناس جماعة، وإبراهيم (ص) واحد، والله تعالى ذكره يقول: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس؟ قيل: إن العرب تفعل ذلك كثيرا، فتدل بذكر الجماعة على الواحد. ومن ذلك قول الله عز وجل: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم والذي قال ذلك واحد، وهو فيما تظاهرت به الرواية من أهل السير نعيم بن مسعود الأشجعي، ومنه قول الله عز وجل: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا قيل: عنى بذلك النبي (ص). ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى.
القول في تأويل قوله تعالى: واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.
يعني بذلك جل ثناؤه: فإذا أفضتم من عرفات منصرفين إلى منى فاذكروا الله عند المشعر الحرام وادعوه واعبدوه عنده، كما ذكركم بهدايته، فوفقكم لما ارتضى لخليله إبراهيم، فهداه له من شريعة دينه بعد أن كنتم ضلالا عنه.
وفي ثم في قوله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس من التأويل وجهان:
أحدهما ما قاله الضحاك من أن معناه: ثم أفيضوا فانصرفوا راجعين إلى منى من حيث أفاض إبراهيم خليلي من المشعر الحرام، وسلوني المغفرة لذنوبكم، فإني لها غفور، وبكم رحيم.
كما: 3055 - حدثني إسماعيل بن سيف العجلي، قال: ثنا عبد القاهر بن السري السلمي، قال: ثنا ابن كنانة، ويكنى أبا كنانة، عن أبيه، عن العباس بن مرداس السلمي، قال: قال رسول الله (ص): دعوت الله يوم عرفة أن يغفر لامتي ذنوبها، فأجابني أن قد غفرت، إلا ذنوبها بينها وبين خلقي، فأعدت الدعاء يومئذ، فلم أجب بشئ، فلما كان غداة