أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرم إذا جاءوا حجاجا أو عمارا، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس، فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة. فحملوا على ذلك العرب فدانت به، وأخذوا بما شرعوا لهم من ذلك، فكانوا على ذلك حتى بعث الله محمدا (ص)، فأنزل الله حين أحكم له دينه وشرع له حجته: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم يعني قريشا والناس العرب. فرفعهم في سنة الحج إلى عرفات، والوقوف عليها، والإفاضة منها فوضع الله أمر الحمس، وما كانت قريش ابتدعت منه عن الناس بالاسلام حين بعث الله رسوله.
* - حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كانت قريش تقف بقزح، وكان الناس يقفون بعرفة. قال: فأنزل الله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس.
وقال آخرون: المخاطبون بقوله: ثم أفيضوا المسلمون كلهم، والمعني بقوله:
من حيث أفاض الناس من جمع، وبالناس إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام. ذكر من قال ذلك:
3054 - حدثت عن القاسم بن سلام، قال: ثنا هارون بن معاوية الفزاري، عن أبي بسطام عن الضحاك، قال: هو إبراهيم.
والذي نراه صوابا من تأويل هذه الآية، أنه عنى بهذه الآية قريش ومن كان متحمسا معها من سائر العرب لاجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله.
وإذ كان ذلك كذلك فتأويل الآية: فمن فرض فيهن الحج، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم، وما تفعلوا من خير يعلمه الله. وهذا إذ كان ما وصفنا تأويله فهو من المقدم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم، على نحو ما تقدم بياننا في مثله، ولولا إجماع من وصفت إجماعه على أن ذلك تأويله. لقلت: أولى التأويلين بتأويل الآية ما قاله الضحاك من أن الله عنى بقوله: من حيث أفاض الناس من حيث أفاض إبراهيم لان الإفاضة من عرفات لا شك أنها قبل الإفاضة من جمع، وقبل وجوب الذكر عند المشعر الحرام. وإذ كان ذلك لا شك كذلك وكان الله عز وجل إنما أمر بالإفاضة من الموضع الذي أفاض منه الناس بعد انقضاء ذكر الإفاضة من عرفات وبعد أمره بذكره عند المشعر الحرام، ثم قال بعد ذلك: