وأولى هذه الأقوال في قوله ولا جدال في الحج بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: قد بطل الجدال في الحج ووقته، واستقام أمره ووقته على وقت واحد، ومناسك متفقة غير مختلفة، ولا تنازع فيه ولا مراء وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أن وقت الحج أشهر معلومات، ثم نفى عن وقته الاختلاف الذي كانت الجاهلية في شركها تختلف فيه.
وإنما اخترنا هذا التأويل في ذلك ورأيناه أولى بالصواب مما خالفه لما قد قدمنا من البيان آنفا في تأويل قوله: ولا فسوق أنه غير جائز أن يكون الله خص بالنهي عنه في تلك الحال إلا ما هو مطلق مباح في الحال التي يخالفها، وهي حال الاحلال وذلك أن حكم ما خص به من ذلك حكم حال الاحرام إن كان سواء فيه حال الاحرام وحال الاحلال، فلا وجه لخصوصه به حالا دون حال، وقد عم به جميع الأحوال. وإذ كان ذلك كذلك، وكان لا معنى لقول القائل في تأويل قوله: ولا جدال في الحج أن تأويله: لا تمار صاحبك حتى تغضبه، إلا أحد معنيين: إما أن يكون أراد لا تماره بباطل حتى تغضبه. فذلك ما لا وجه له، لان الله عز وجل قد نهي عن المراء بالباطل في كل حال محرما كان المماري أو محلا، فلا وجه لخصوص حال الاحرام بالنهي عنه لاستواء حال الاحرام والاحلال في نهى الله عنه. أو يكون أراد: لا تماره بالحق، وذلك أيضا ما لا وجه له لان المحرم لو رأى رجلا يروم فاحشة كان الواجب عليه مراءه في دفعه عنها، أو رآه يحاول ظلمه والذهاب منه بحق له قد غصبه عليه كان عليه مراؤه فيه وجداله حتى يتخلصه منه. والجدال والمراء لا يكون بين الناس إلا من أحد وجهين: إما من قبل ظلم، وإما من قبل حق، فإذا كان من أحد وجهيه غير جائز فعله بحال، ومن الوجه الآخر غير جائز تركه بحال، فأي وجوهه التي خص بالنهي عنه حال الاحرام؟ وكذلك لا وجه لقول من تأول ذلك أنه بمعنى السباب، لان الله تعالى ذكره قد نهى المؤمنين بعضهم عن سباب بعض على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام في كل حال، فقال (ص): سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر فإذا كان المسلم عن سب المسلم منهيا في كل حال من أحواله، محرما كان أو غير محرم، فلا وجه لان يقال: لا تسبه في حال الاحرام إذا أحرمت.