لذلك نلاحظ بصورة مستمرة أن أفرادا مذنبين جدا قد هداهم الله إلى طاعته بعد سماعهم هذه الآية التي وقعت في نفوسهم كالصاعقة، وأيقظتهم من سباتهم وغفلتهم التي كانوا فيها، ولهذا شواهد عديدة حيث تنقل لنا كتب التاريخ العديد منها، حتى أن البعض منهم أصبح في صف الزهاد والعباد، ومن جملتهم العابد المعروف " فضيل بن عياض " الزاهد.
حيث يحكى عنه أنه كان في أول أمره يقطع الطريق بين " أبيورد " و " سرخس "، وعشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع تاليا يتلو: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله قال: (بلى والله قد آن) فرجع وأوى إلى خربة فإذا فيها رفقة، فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلا قد قطع الطريق علينا. فتاب الفضيل وأمنهم.
وحكي أنه جاور الحرم حتى مات (1).
ونقل بعض المفسرين أن أحد رجال البصرة المعروفين قال: بينما كنت أسير في طريق فسمعت فجأة صيحة، فذهبت متتبعا آثارها، فشاهدت رجلا مغمى عليه على الأرض، قلت: ما هذا! قالوا: رجل واعي القلب سمع آية من القرآن واندهش، قلت: أي آية؟ قالوا: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ... وفجأة أفاق الرجل عند سماع صوتنا وبدأ بقراءة هذا الشعر المؤثر:
أما آن للهجران أن ينصرما * وللغصن غصن البان أن يتبسما وللعاشق الصب الذي ذاب وانحنى * ألم يأن أن يبكي عليه ويرحما كتبت بماء الشوق بين جوانحي * كتابا حكى نقش الوشي المنمنما قال ذلك ثم سقط على الأرض. مدهوشا مرة أخرى، فحركناه وإذا به قد سلم روحه إلى بارئه وربه (2).