نعلم أن مقام العصمة ليس مفهومه أن المعصية مستحيلة عليهم، بل يعني أنهم مصونون عن الإثم والمعصية بفعل إرادتهم وإيمانهم وحسن اختيارهم، إلى جانب العنايات الربانية.
إنهم كانوا يخافون من ترك الأولى ويتجنبونه، ويخشون أن لا يتمكنوا من القيام بمسؤولياتهم الثقيلة. ولهذا نقرأ في الآية (15) من سورة الأنعام حول الرسول الأعظم قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم.
ولقد رويت في تفسير الآية الحاضرة - أيضا - أحاديث تؤيد ما قلناه:
" صليت خلف أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام)، فسمعته يقول: " اللهم لا تؤمني مكرك.
ثم جهر فقال: فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ".
ونقرأ في نهج البلاغة أيضا: " لا تأمنن على خير هذه الأمة عذاب الله، لقول الله سبحانه: فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون " (1).
إن عدم الأمن من المكر الإلهي - في الحقيقة - يعني الخوف من المسؤوليات والخوف من التقصير فيها، ومن المعلوم أن الخوف يجب أن يكون في قلوب المؤمنين دائما إلى جانب الأمل بالرحمة الإلهية بشكل متساو، وأن التوازن بين هذين هو منشأ كل حركة ونشاط، وهو الذي يعبر عنه في الروايات بالخوف والرجاء.
وقد جاء التصريح في هذه الروايات بوجوب أن يكون المؤمنون دائما بين الخوف والرجاء، ولكن المجرمين الخاسرين نسوا العقوبات الإلهية بحيث صاروا يرون أنفسهم في منتهى الأمن المكر الإلهي.
وفي الآية اللاحقة يقول القرآن الكريم - بهدف إيقاظ عقول الشعوب الغافية وإلفات نظرهم إلى العبر التي كانت في حياة الماضيين: ألا يتنبه الذين ورثوا