يكونوا على استعداد لأن يؤمنوا بما كذبوا به من قبل، بل استمروا على تكذيبهم حتى مع مشاهدتهم البينات: فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل.
من هذه الجملة يستفاد أن الأنبياء الإلهيين قاموا بدعوتهم وإرشادهم مرارا وتكرارا، ولكن المشركين لجوا في عنادهم، وبقوا متصلبين في مواقفهم المتعنتة الرافضة، وأعرضوا عن قبول دعوة الأنبياء حتى بعد وضوح الكثير من الحقائق.
وفي العبارة اللاحقة يبين تعالى علة هذا التعنت واللجاج: كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين.
يعني أن الذين يسيرون في درب خاطئ، ويستمرون في السير في ذلك الطريق، ينتقش الانحراف والكفر على قلوبهم نتيجة تكرار العمل السئ.
ويتجذر الفساد في نفوسهم، كما يثبت النقش على السكة (والطبع في اللغة نقش صورة على شئ كالسكة) وهذا في الحقيقة هو أثر العمل وخاصيته.
وقد نسب إلى الله هو تعالى مسبب الأسباب، وهو منشأ تأثير كل مؤثر، فهو يهب الفعل هذه الخاصية عند تكراره، حيث يجعله " ملكة " في نفس الشخص.
ولكن من الواضح والبين أن مثل الضلال ليس له أي صفة جبرية وقهرية، بل إن موجد الأسباب هو الإنسان وإن كان التأثير بأمر الله تعالى (فتأمل).
وفي الآية اللاحقة يبين تعالى قسمين آخرين من نقاط الضعف الأخلاقي لدى هذه الجماعات، والتي تسببت في ضلالها وهلاكها.
في البداية يقول: إنهم كانوا لا يحترمون العهود والمواثيق بل ينقضونها وما وجدنا لأكثرهم من عهد.
وهذا العهد يمكن أن يكون إشارة إلى " العهد الفطري " الذي أخذه الله على جميع عباده بحكم الجبلة والفطرة، لأنه عندما أعطاهم العقل والذكاء والقابلية، كان مفهوم ذلك هو أخذ العهد الميثاق منهم بأن يفتحوا عيونهم وآذانهم، ويروا الحقائق ويسمعوها، وهذا هو ما أشارت إليه الآيات الأخيرة من هذه السورة (أي