3 الاستعداد للصلح:
مع أن الآية السابقة أوضحت هدف الجهاد في الإسلام بقدر كاف، فإن الآية التالية التي تتحدث على الصلح بين المسلمين توضح هذا الأمر بصورة أجلى فتقول وإن جنحوا للسلم فاجنح لها.
ويحتمل في تفسير هذه الجملة المتقدمة أنهم إذا بسطوا أجنحتهم للسلم فابسط جناحيك أنت للسلم أيضا، لأن " جنحوا " فعل مصدره " الجنوح " وهو الميل، ويطلق على كل طائر أنه " جناح " أيضا، لأن كل جناح في الطائر يميل إلى جهة، لذلك يمكن الاستناد في تفسير هذه الآية إلى جذر اللغة تارة، وإلى مفهومها الثانوي تارة أخرى.
ولما كان الناس يترددون أغلب الأحيان عندما يراد التوقيع على معاهدة الصلح، فإن الآية تأمر النبي بعدم التردد في الأمر إذا كانت الشروط عادلة ومنسجمة مع المنطق السليم والعقل، فتقول: وتوكل على الله إنه هو السميع العليم.
ومع ذلك فهي تحذر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين من احتمال الاحتيال والخداع في دعوة الأعداء، إلى الصلح، فقد تكون دعوة للتمويه والرغبة في توجيه ضربة مفاجئة، أو يكون هدفهم هو تأخير الحرب ليتمكنوا من إعداد قوات أكثر، إلا أن الآية تطمئن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يخشى هذا الأمر أيضا، لأن الله عز وجل سيكفيه أمرهم وسينصره في جميع الأحوال، إذ تقول: وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله.
وسيرتك أيها النبي - السابقة - شاهدة على هذه الحقيقة، لأن الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين.
فكم أرادوا بك كيدا، وكم مهدوا وأعدوا لك من خطط مدمرة بحيث لم تكن الغلبة عليها بالوسائل المألوفة ممكنة، لكنه عز وجل حفظك ورعاك في مواجهة