الشرك والتوجه إلى غير الله) يبدو للنظر أنه أنسب مع ما سبق وما يلحق هذه الجملة، وإن لم تكن إرادة كل هذه المعاني بعيدة عن مفهوم الآية أيضا.
3 2 - أقصر الأدلة على المعاد لقد بحث أمر المعاد والبعث في يوم القيامة كثيرا، ويستفاد من آيات القرآن الكريم أن هضم هذه المسألة كان أمرا صعبا وعسيرا بالنسبة إلى كثير من الناس في العصور الغابرة، إلى درجة أنهم كانوا يتخذون أحيانا من طرح مسألة القيامة والمعاد من قبل الأنبياء دليلا على عدم صحة دعوتهم، وبل حتى (والعياذ بالله) دليلا على الجنون ويقولون: افترى على الله كذبا أم به جنة (1).
ولكن يجب الانتباه إلى أن ما كان يدعو لمزيد من تعجبهم ودهشتهم، هو مسألة المعاد الجسماني، لأنهم ما كانوا يصدقون بأن الأبدان بعد صيرورتها ترابا، وتبعثر ذراتها بفعل الرياح والأعاصير وتناثرها في أرجاء الأرض. أن تجتمع هذه الذرات المتبعثرة من بين أكوام التراب. وأمواج البحار، ومن بين ثنايا ذرات الهواء، ويلبس ذلك الإنسان لباس الوجود والحياة مرة أخرى.
إن القرآن الكريم أجاب في آيات متنوعة على هذا الظن الخاطئ، والآية الحاضرة تعكس إحدى أقصر وأجمل التعابير في هذا المجال، إذ تقول: أنظروا إلى بداية الخلق، انظروا إلى جسمكم الذي يتكون من مقدار كبير من الماء، ومقدار أقل من المواد المعدنية وشبه المعدنية المختلفة المتنوعة أين كان في السابق؟ فالمياه المستخدمة في جسمكم يحتمل أن كل قطرة منها كانت سادرة في محيط من محيطات الأرض ثم تبخرت وتبدلت إلى السحب، ثم نزلت في شكل قطرات المطر على الأراضي، والذرات التي استخدمت في نسيج جسمكم من مواد الأرض الجامدة كانت ذات يوم في هيئة حبة قمح أو ثمرة شجرة، أو خضروات مختلفة جمعت من مختلف نقاط الأرض.