من تجليات تلك الرحمة غير المتناهية، ومن مظاهر تلك الآراء والنعم الباطنية والواقعية.
وربما يقال: إن القدرية يقولون: كيف يكون رحمانا رحيما، من خلق الخلق للنار ولعذاب الأبد؟! وكيف يكون رحمانا رحيما من يخلق الكفر في الكافر ويعذبه به؟! وكيف هو هكذا ويأمر بالإيمان ويصد ويمنع عنه؟!
وعن الجبرية: أن أعظم أنواع النعمة والرحمة هو الإيمان فلو لم يكن الإيمان من الله، بل كان من العبد، لكان اسم الرحمن والرحيم بالعبد أولى منه بالله (1). انتهى. فكررهما دفعا لهذه الأباطيل.
وأنت خبير: بأن مقالتهما من الأباطيل، ولقد تحرر منا تفصيله في كتابنا " القواعد الحكمية "، وربما يناسب هذا الكتاب بعض الآيات الآتية، ونشير لديها إلى ما هو مغزى مرامهم ومفاسد آرائهم إن شاء الله تعالى.
وأما توهم صحة الوجه المزبور فهو غير لائق بمن هو أهل العربية، ضرورة أن اختلاف الوجوه الكثيرة لرفع هذه الغائلة، وجلب الطرق المختلفة لحل هذه المعضلة، كلها شاهد على الإقرار بالإعضال، ولا يمكن الفرار منه بأمثالها.
والذي هو الأقرب - وهو الوجه الأخير الحاسم لمادة الشبهة -: هو أن البسملة - كما أشير إليه - نزلت إما مستقلة، أو مع سورة " اقرأ "، وهي - على ما عرفت - ربما كانت أول سورة نزلت، فهي تكون آية يبتدأ بها تبركا وتيمنا، عند كل قيل وقال وفعل وفعال، وقد ابتدئ بها في سائر السور،