المعنى: لما تقدم ذكر الأدلة على أنه سبحانه قادر على الانشاء والإعادة، عقبه بالتعجب من تكذيبهم بالبعث والنشور، فقال * (وإن تعجب) * يا محمد من قول هؤلاء الكفار في انكارهم البعث، مع اقرارهم بابتداء خلق الخلق، فقد وضعت التعجب موضعه، لأن هذا قول عجب، ومعناه عجب للمخلوقين. فإن معنى العجب في صفات الله لا يجوز، لأن العجب ان يشتبه عليه سر أمره فيستطرفه * (فعجب قولهم) * أي: فقولهم عجب * (أإذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد) * أي: أنبعث و نعاد بعدما صرنا ترابا هذا مما لا يمكن! وهذا منهم نهاية في الأعجوبة فإن الماء إذا حصل في الرحم استحال علقة، ثم مضغة، ثم لحما، فإذا مات ودفن استحال ترابا. فإذا جاز ان يتعلق الانشاء بالاستحالة الأولى، فلم لا يجوز تعلقه بالاستحالة الثانية، وسمى الله تعالى الإعادة خلقا جديدا.
واختلف المتكلمون فيما يصح عليه الإعادة، فقال بعضهم: كلما يكون مقدورا للقديم سبحانه خاصة، ويصح عليه البقاء يصح عليه الإعادة، ولا يصح الإعادة على ما لا يقدر على جنسه غيره تعالى، وهذا قول أبي علي الجبائي. وقال آخرون: كلما كان مقدورا له، وهو مما يبقى يصح عليه الإعادة، وهو قول أبي هاشم، ومن تابعه.
فعلى هذا يصح إعادة أجزاء الحياة.
ثم اختلفوا فيما يجب إعادته من الحي، فقال أبو القاسم البلخي: يعاد جميع اجزاء الشخص. وقال أبو هاشم: يعاد الأجزاء التي بها يتميز لحي من غيره، ويعاد التأليف، ثم رجع عن ذلك، وقال: تعاد الحياة مع البنية. وقال القاضي أبو الحسن: تعاد البنية وما عدا ذلك يجوز فيه التبديل، وهذا هو الأصح * (أولئك) * المنكرون للبعث * (الذين كفروا بربهم) * أي: جحدوا قدرة الله تعالى على البعث * (وأولئك الأغلال في أعناقهم) * في الآخرة. وقيل: أراد به أغلال الكفر أي: كفرهم أغلال في أعناقهم * (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * مضى تفسيره * (ويستعجلونك) * أي: يستعجلك يا محمد هؤلاء المشركون * (بالسيئة قبل الحسنة) * أي: بالعذاب قبل الرحمة، عن ابن عباس، ومجاهد، أي: بالعقاب الذي توعدوا به على التكذيب قبل الثواب الذي وعدوا به على الإيمان، وذلك حين قالوا * (فأمطر علينا حجارة من السماء) * وقيل: يستعجلونك بالعذاب الذي توعدهم به قبل الإحسان بالإنظار، فإن إنظار من وجب عليه العقاب، إحسان إليه كإنذار من وجب عليه