مبسوطا إن شاء الله تعالى الحمد هو الثناء على مزية اختيارية من أنعام أو غيره ولامه جنسية أو استغراقية أو عهدية أي حقيقة محمد أو جميع أفراده أو الفرد الأكمل منه ثابت لله ثبوتا قصريا كما يفيده لام الاختصاص ولو بمعونة المقام وقد اشتهر امتيازه عن الشكر بمعاكسته في الورود وعموم المتعلق كما اشتهر امتيازه عن المدح بقيد الاختيار ودعوى امتيازه بإشعاره بالانهاء إلى المثنى عليه دون المدح مما لم يثبت وما جاء في الحديث من نفي الشكر عمن لم يحمد وما ذكروه من أن حمدنا له جل شأنه يشمل الموارد الثلاثة لا يقدحان في الأول كما أن من اشتهر من حمده سبحانه على الصفات الذاتية وما ورد من إثبات المحمودية لغير الفاعل فضلا عن المختار في قوله تعالى " مقاما محمودا " وقولهم عند الصباح يحمد القوم السرى إلى غير ذلك لا يقدحان في الثاني إذ الغرض المبالغة بناء على كون الحمد أكل شعب الشكر وأشبعها ومعنى الشمول كون كل من الموارد الثلاثة حامدا له سبحانه بنفسه كما قال تعالى " وإن من شئ إلا يسبح بحمده " والحمد على الصفات باعتبار الآثار المترتبة عليها أو على نفس الذات المقدسة بناء على ما هو التحقيق من العينية أو لتنزيلها منزلة أفعال الاختيارية لاستقلال الذات بها وكونها كافية فيها ومجئ المحمود بمعنى المرضي غير عزيز في اللغة أو هو من قبيل صفة الشئ بوصف صاحبه هذا وقد عرفت فيما سبق أن هذه السورة الكريمة مقولة عن السنة العباد ولا ريب أن حمدهم جار على طبق ما يعتقدونه ثناء ويعدونه مدحا وتمجيدا بحسب ما أدت إليه ما لو فاتهم واستقرت عليه متعارفاتهم وهذا يؤذن بتوسيع دائرة الثناء وعدم تضيقها بالقصر على ما هو كذلك بحسب نفس الأمر فإن ما يثني به عليه سبحانه ربما كان بمراحل عن سرادقات كماله وبمعزل عن أن يليق بكبرياء جلاله لكنه جل شأنه رخص لنا في ذلك وقبل منابذة البضاعة المزجاة لكمال كرمه وإحسانه بل أثابنا عليها بوفور لطفه وامتنانه كما أنه سبحانه لم يوجب علينا أن نصفه إلا بمثل الصفات التي ألفناها وشاهدناها وكانت بحسب حالنا مزية وبالنسبة إلينا كمالا كالكلام والحياة والإرادة والسمع والبصر وغيرها مما أحاطت به مداركنا وانتهت إليه طليعة أوهامنا دون ما لم تصل إليه أيدي عقولنا ولا تتخطى إلى عز ساحة أقدام أفهامنا وناهيك في هذا الباب بكلام الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام فقد روي عنه أنه قال لأصحابه كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم ولعل النمل الصغار تتوهم أن لله زبانتين فإن ذلك كمالها ويعتقد أن عدمهما نقصان لمن لا يتصف بهما وهكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به وإلى الله المفزع ومن تأمل هذا الكلام الشريف بعين البصيرة فاحت عليه من أزهاره نفحة قدسية تعطر مشام الأرواح ولاحت لديه من أنواره شعشعة إنسية تحيي رميم الأشباح هذا وإنما لم يعامل الحمد هنا معاملة سائر أخويه من المصادر المنصوبة على المفعولية المطلقة بعامل مقدر لا يكاد يذكر نحو شكرا وعجبا وجعل متحلية بحلية الرفع بالابتداء إيثارا للدوام والثبات على التجدد والحدوث و إشعارا بأنه حاصل له تعالى شأنه من دون ملاحظة إثبات مثبت وقول قائل أحمد الله حمدا ونحوه ومحافظة على بقاء صلاحيته للاستغراق فإنها مما يفوت على ذلك التقدير كما لا يخفى رب العالمين أي مالكهم الحقيقي
(٣٩٨)