(لما أفاء الله) أي رد، والفئ ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد، وأصله الرجوع (فأقرهم) أي أهل خيبر أي أثبتهم (وجعلها) أي خيبر (بينه وبينهم) أي على التناصف كما في الصحيحين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع (فخرصها عليهم) قال الزرقاني: أي لتمييز حق الزكاة من غيرها لاختلاف المصرفين، أو للقسمة لاختلاف الحاجة كما مر. وفيه جواز التخريص لذلك، وبه قال الأكثر، ولم يجزه سفيان الثوري بحال. وفيه جواز المساقاة، ومنعها أبو حنيفة مستدلا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر والأجرة هنا فيها غرر إذ لا يدري هل تسلم الثمرة أم لا، وعلى سلامتها لا يدري كيف تكون وما مقدارها. وأجيب بأن حديث الجواز خاص والنهي عن الغرر عام والخاص يقدم على العام وقال إن الخبر إذا ورد على خلاف القواعد رد إليها، وحديث الجواز على خلاف ثلاث قواعد، بيع الغرر، والإجارة بمجهول، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، والكل حرام إجماعا. وأجيب بأن الخبر إنما يجب رده إلى القواعد إذا لم يعمل به، أما إذا عمل به قطعنا بإرادة معناه فيعتقد، ولا يلزم الشارع إذا شرع حكم " أن يشرعه مثل غيره، بل له أن يشرع ماله نظير ومالا نظير له، فدل ذلك على أنها مستثناة من تلك الأصول للضرورة، إذا لا يقدر كل أحد على القيام بشجره ولا زرعة. وقال مالك: السنة في المساقاة أنها تكون في أصل كل نخل أو كرم أو زيتون أو رمان أو ما أشبه ذلك من الأصول جائز لا بأس به، على أن لرب المال نصف الثمر أو ثلثه أو ربعه أو أكثر من ذلك أو أقل، والمساقاة أيضا تجوز في الزرع إذا خرج من الأرض واستقل فعجز صاحبه عن سقيه وعمله وعلاجه فالمساقاة في ذلك أيضا جائز.
انتهى كلام مالك.
ومنعها الشافعي إلا في النخل والكرم لأن ثمرهما بائن من شجره يحيط النظر به. قال ابن عبد البر: وهذا ليس ببين، لأن الكمثرى والتين والرمان والأترج وشبه ذلك يحيط النظر بها وإنما العلة له أن المساقاة إنما تجوز فيما يخرص والخرص لا يجوز إلا فيما وردت به السنة