وأجيب عنه بأن القعود على المنبر لا يختص بالابتداء بل يحتمل أن يكون بين الخطبتين أيضا فيكون كلمه بذلك وهو قاعد فلما قام ليصلي قام النبي صلى الله عليه وسلم للخطبة لأن زمن القعود بين الخطبتين لا يطول ويحتمل أيضا أن يكون الراوي تجوز في قوله قاعد لأن الروايات الصحيحة كلها مطبقة على أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب كذا في فتح الباري وقال العيني في عمدة القاري معترضا على هذا الجواب ما لفظه الأصل ابتداء قعوده وقعوده بين الخطبتين محتمل فلا يحكم به على الأصل انتهى قلت لا نسلم أن القعود الأول أصل والثاني محتمل بل نقول إن القعودين كليهما أصل وعلى تقدير التسليم فالحكم بالمحتمل على الأصل متعين ههنا لأن الروايات الصحيحة كلها مطبقة على أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ثم قال العيني معترضا على قول الحافظ ويحتمل أن يكون الراوي تجوز إلخ ما لفظه هذا ترويج لكلامه ونسبة الراوي إلى ارتكاب المجاز مع عدم الحاجة والضرورة انتهى قلت نسبة الراوي إلى ارتكاب المجاز ليس بلا حاجة وضرورة بل ذلك لحاجة شديدة وقد بينها الحافظ بقوله لأن الروايات الصحيحة كلها مطبقة على أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فالحاصل أن لفظ قاعد في حديث جابر إما يراد به القعود بين الخطبتين أو يقال إن الراوي تجوز فيه وإلا فهذه الزيادة شاذة مخالفة لسائر الروايات الصحيحة فيه غير مقبولة ومنها أن هذه الواقعة عين لا عموم لها فيحتمل اختصاصها بسليك ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد الذي أخرجه أصحاب السنن وغيرهم جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب والرجل في هيئة بذة فقال له أصليت قال لا قال صل ركعتين وحض الناس على الصدقة الحديث فأمره أن يصلي ليراه بعض الناس وهو قائم فيتصدق عليه ويؤيده أن في هذا الحديث عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن هذا الرجل دخل في المسجد في هيئة بذة فأمرته أن يصلي ركعتين وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه قلت هذا مردود فإن الأصل عدم الخصوصية والتعليل بكونه صلى الله عليه وسلم قصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية ومما يدل على أن أمره بالصلاة لم ينحصر في قصد التصدق معاودته صلى الله عليه وسلم بأمره بالصلاة أيضا في الجمعة الثانية بعد أن حصل له في الجمعة الأولى ثوبين فدخل بهما في الثانية فتصدق بأحدهما فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أخرجه النسائي وابن خزيمة من حديث أبي سعيد أيضا ولأحمد وابن حبان أنه كرر أمره بالصلاة ثلاث مرات في ثلاث جمع
(٣٠)