عن أكثر الشافعية كراهة النذر وعن القاضي حسين والمتولى بعده والغزالي أنه مستحب لان الله أثنى على من وفى به ولأنه وسيلة إلى القربة فيكون قربة قال يمكن أن يتوسط فيقال الذي دل الخبر على كراهته نذر المجازاة وأما نذر التبرز فهو قربة محضة لان للناذر فيه غرضا صحيحا وهو أن يثاب عليه ثواب الواجب وهو فوق ثواب التطوع انتهى وجزم القرطبي في المفهم بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي على نذر المجازاة فقال هذا النهي محله أن يقول مثلا ان شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا ووجه الكراهة انه لما وقف قبل القربة المذكور على حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى لما صدر منه بل سلك فيها مسلك المعاوضة ويوضحه انه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه وهذه حالة البخيل فإنه لا يخرج من ماله شيئا الا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالبا وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث بقوله وانما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه قال وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض أو ان الله يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر واليهما الإشارة بقوله في الحديث أيضا فان النذر لا يرد من قدر الله شيئا والحالة الأولى تقارب الكفر والثانية خطأ صريح (قلت) بل تقرب من الكفر أيضا ثم نقل القرطبي عن العلماء حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة وقال الذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون اقدامه على ذلك محرما والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك انتهى وهو تفصيل حسن ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها في نذر المجازاة وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى يوفون بالنذر قال كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة وما افترض عليهم فسماهم الله أبرارا وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة وكأن البخاري رمز في الترجمة إلى الجمع بين الآية والحديث بذلك وقد يشعر التعبير بالبخيل ان المنهي عنه من النذر ما فيه مال فيكون أخص من المجازاة لكن قد يوصف بالبخل من تكاسل عن الطاعة كما في الحديث المشهور البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي أخرجه النسائي وصححه ابن حبان أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي ثم نقل القرطبي الاتفاق على وجوب الوفاء بنذر المجازاة لقوله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه ولم يفرق بين المعلق وغيره انتهى والاتفاق الذي ذكره مسلم لكن في الاستدلال بالحديث المذكور لوجوب الوفاء بالنذر المعلق نظر وسيأتي شرحه بعد باب (قوله وانما يستخرج بالنذر من البخيل) يأتي في حديث أبي هريرة الذي بعد بيان المراد بالاستخراج المذكور (قوله من البخيل) كذا في أكثر الروايات ووقع في رواية مسلم في حديث ابن عمر من الشحيح وكذا للنسائي وفي رواية ابن ماجة من اللئيم ومدارا لجميع على منصور بن المعتمر عن عبد الله بن مرة فالاختلاف في اللفظ المذكور من الرواة عن منصور والمعاني متقاربة لان الشح أخص واللؤم أعم قال الراغب البخل امساك ما يقتضي عمن يستحق والشح بخل مع حرص واللؤم فعل ما يلام عليه (قوله في حديث أبي هريرة لا يأتي ابن آدم النذر بشئ) ابن آدم بالنصب مفعول مقدم والنذر بالرفع هو الفاعل (قوله لم أكن قدرته) هذا من الأحاديث القدسية لكن سقط منه التصريح بنسبته إلى الله عز وجل وقد أخرجه أبو داود في رواية ابن العبد عنه
(٥٠٢)